18 ديسمبر، 2024 10:10 م

حوار الفرقاء.. بلا مدخلات!!

حوار الفرقاء.. بلا مدخلات!!

ظهر مصطلح الحوار الوطني في ادبيات ما بعد 2003 ليس بمدخلات حزبية للإباء المؤسسيين للعملية السياسية العراقية اكثر من كونه مصطلحا جاءت به لجان المساعدة الدولية ولعل ابرزها الأمم المتحدة، فيما ذهبت اغلبية الأحزاب الى تطبيقات انتقائية للعدالة الانتقالية ، مرة لتوظيفها على طاولة المباحثات في تقاسم كعكعة مفاسد المحاصصة، وأخرى ضد الخصوم اليوم أصدقاء الامس، حتى باتت هذه القوانين ثغرة في الأخطاء الدستورية تستزف الموازنة العامة ما بين قانوني السجناء والشهداء السياسيين، وما اضيف لهم من ضحايا الإرهاب، ولان كل حزب بما لديهم فرحون، اخذ هذا المصطلح مسارا متعرجا في أداء العملية السياسية برمتها، فبعد ان خصصت وزارة دولة لإدارة هذا الحوار انتهى الحال الى لجان تحت مختلف التسميات لعل اخرها وليس اخيرها لجنة المصالحة التي قدمت مبادرة رئيس مجلس الوزراء المنهية صلاحيته السيد مصطفى الكاظمي، ليجمع فرقاء الدم في “اثنين اب الدامي” على طاولة تقريب وجهات النظر ما بين مفترق طرق يعيد النظر بكامل العملية السياسية او الاستمرار بدحرجة صخرة مفاسد المحاصصة بانتظار ما يمكن ان تؤول اليه مجريات الاحداث الإقليمية والدولية التي تزجر ناقة هذه الأحزاب وتسييرها على طاولة مفاوضات الملف النووي الإيراني باعتبار ان عراق اليوم ليس بأكثر من باحة خلفية للمصالح الإيرانية الكلية .
السؤال ما المدخلات التي يمكن طرحها على طاولة حوار الفرقاء لإنتاج مخرجات إيجابية وفق معايير الحكم الرشيد؟؟
هناك عدة خطوط متوازية في تقدير الموقف على هذه الطاولة، أبرزها:
أولا : التهدئة والخروج من حالة الصخب المتفجر بدماء العراقيين والركون الى انتظار نتائج المباحثات الإيرانية مع الوساطة الاوربية في ملفها النووي التي تبدو ما زالت بعيدة نسبيا عن الاتيان باتفاق جديد يرضي واشنطن وطهران، ويحقق الحاجات الأساسية لدول الخليج العربية في نزع الفتيل النووي الإيراني وصواريخها وطائراتها المسيرة التي اتفقت مع إسرائيل خلال اتفاقيات إبراهيم على كونها تهدد امن المنطقة ، ورفض طهران المتكرر لنزع هذا الفتيل وتجزئة الملف الى ملفات امنية واقتصادية وسياسية ، يجعل من “تجار السجاد الإيراني” اكثر قدرة على إدارة “الوقت الحرج ” في التفاوض وهذا يتطلب التهدئة عراقيا ، وربما المضي في تشكيل حكومة تصريف اعمال او أي نموذج اخر ، يحقق الأهداف المرحلية لتميكن طهران على طاولة المفاوضات، وهذا الامر عرفته واشنطن جيدا وفهمت ان تحرك التيار الصدري لن يصيب مقتلا في هذه المرحلة بالذات ، وان هدر دماء المتظاهرين يزيد من الاحتقان العام ، ويقلل من فرضيات تسيير اعمال حكومة الكاظمي بل ويهدد مستقبله السياسي كليا ، هكذا جاءت التصريحات الامريكية والاوربية وكانت المواقف الإيرانية واضحة بعد لقاء تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، زعم فيه ان الجنرال قاأني قائد فيلق القدس فشل في اقناع مقتدى الصدر في التنازل عن السلطة للسيد نوري المالكي وانتظار الانتخابات المقبلة المبكرة ، فيما قدم السفير الإيراني السابق في بغداد ” دنائي فر” خلال اجتماعاته مع حلفاء الصدر إمكانية إعادة النظر في قرارات المحكمة الاتحادية بخصوص العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم في ملف النفط ، كل ذلك لم يجعل الصدر يتراجع عن مواقفه ، ولم يفهم اللعبة جيدا ، معتقدا ان ميراثه عن ابيه يمكن ان يكفيه في التصدي لمواجهة تحالف الاطار التنسيقي، لكن لعبة المرجعيات الدينية تبقى هي الاذكى، ما بين أسلوب نقل التكليف بالتقليد بعد استقالة واعتزال السيد الحائري او التهديد بموقف من المرجعيات الدينية يهدد واقع التيار الصدري كليا، وفي كلا الحالتين صحا السيد مقتدى الصدر من حلمه على واقع مرير سالت فيه الدماء وجعلت بوادر الحرب الشيعية – الشيعية واقعا سبق وان حذرنا منه في كتابات سابقة .
ثانيا : أي تهدئة بعد المعركة الشعبية، تتطلب تطبيقات اقرب ما تكون الى ” الفصول العشائرية “، هناك فدية لابد وان تدفع عن هذه الدماء ومن تسبب بها ، وعودة الى طرح الموضوع الأساس للاختلاف بين التيار والاطار ، فالحديث عن “الإصلاح ” بلا برنامج محدد واقعي وموضوعي ، ينتهي الى غوغائية فارغة ، واي تمسك اعمى بنشوة المنتصر ، يهدد بقفزة النمر الجريح ، عندها ستكون القاتلة ، وهي حالة ممكنة في واقع اليوم ، لا اعتقد ان المتحاورين على طاولة الكاظمي قد طرحوا هذا الموضوع للنقاش، بل اكتفوا بشرب نخب النصر وتسويف الأمور باتجاه إعادة اعمال مجلس النواب ما بعد الزيارة الاربعينية، لاستكمال تسمية رئيس الجمهورية مع بوادر اتفاق كردي على اسم مرشح جديد غير السيد برهم صالح ، ومن ثم تسمية حكومة جديدة ، شخصيا اعتقد انها ستكمل مدة لا تقل عن عامين وصولا الى الانتخابات في عام 2024 تحت مختلف الذرائع والحجج الفنية لاستعداد مفوضية انتخابات أخرى وفق تعديلات في قانون الانتخابات ، مع احتمالات مفتوحة في تصاعد وتائر التسريبات عن فضائح الفساد بما يجعل مجلس النواب يذهب الى تشريع قانون جديد للعفو العام عن مرتكبي جرائم الفساد السياسي تحت مسمى يتفق مع العفو العام عن جرائم دعم الإرهاب، إضافة الى تعزيز التواجد المسلح خارج وداخل المدن لحماية صناديق الانتخابات من فصائل مسلحة بعناوين رسمية ، تجعل من فرص التيار الصدري خلال الانتخابات المقبلة عند خط شروع منخفض مع تصاعد ظهور أحزاب جديدة مثل حزب “امارجي” للمشاركة في الانتخابات المقبلة بعناوين تختلف عن عناوين قوى الاطار الحالية ، كل ذلك لا اعتقد انه طرح اليوم على هذه الطاولة كمدخلات لحلول مطلوبة في مخرجات قانونية من قبل مجلس النواب ، الا في حالة واحدة ، ليست مستحيلة ولكنها صعبة ، تتمثل في عودة نواب التيار الصدري الى اعمال مجلس النواب، وتلك قضية فيها اكثر من وجهة نظر تتعلق بقرار التيار أولا ، وموافقة بقية الفرقاء ثانيا كنوع من الترضية مزدوجة الأهداف لتقنين شخص مقتدى الصدر ضمن ثوابت الاطار عندها يلغي صفة ” ابن الدعي” و”مثلي ولا يبايع مثله” ويوافق استحياء على مشاركة المالكي إدارة مجلس زعامة لتحالف سياسي شيعي التيار الصدري احد ابرز مكوناته ما بعد الانتخابات المقبلة !!!
ثالثا :حصر المبادرة ومحادثاتها بتفجر العلاقات بين التيار والاطار، يقابل مطالب كردية معروفة تتعلق بالكثير من النقاط الخلافية ، فضلا عن مطالب قوى السيادة التي عبر عنها السيد الحلبوسي في تغريدة مؤخرا ، كل ذلك يتطلب إيجاد تطبيقات للحلول خارج نطاق التهدئة ، فهذه فرصة لا تفوت لكلا الطرفين في الحصول على ضمانات دستورية على الأقل تتجاوز نموذج التسويف الحاصل ما بعد اتفاق أربيل لولاية المالكي الثانية ، واذا لم يظهر للعلن حتى اليوم مثل هذه المطالب فان المطابخ السياسية لكلا الطرفين تؤكد وجود مثل هذه الرغبة التي أبلغت لأطراف في الاطار التنسيقي .
في ضوء كلما تقدم ، تبدو مبادرة الحوار الوطني التي يقوم بها السيد الكاظمي اكبر من عنوانها، اصغر في التطبيقات المطلوبة حتى بمشاركة ممثلة البعثة الدولية للأمم المتحدة في اعمالها ، والمخرجات المتوقعة منها لن تتعد احاديث الفرقاء على شاشات القنوات الفضائية ، الجميع يدعو للتهدئة ويطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد والعمل على تشكيل حكومة خدمة وطنية ، فيما واقع الحال المعروف عند الجميع ان هؤلاء الأحزاب ليس باستطاعتهم تجاوز قرارات إقليمية ما دام الجميع بكل صنوفهم ناقتهم اما مأمورة او مزجورة تحت عنوان واضح لطاعة ولاية الفقيه او طاعة ولاية البيعة ، فيما التوقعات تمضي الى تفجر ثورة الجياع الرافضة للعملية السياسية برمتها.. ربما عندها سيخرج علينا من يقول إذا جاع العراقي ولم يجد الخبز لماذا لا يأكل الكيك … ولله في خلقه شؤون!!