لا يمكن لأي إنسان عاقل وعادل وغير ملوث بالتطرف والتعصب الديني أو الطائفي أو العنصري أن يتشفى باغتيال السفير الروسي في تركيا. لا لأنه، برغم أهمية منصبه، يظل موظفا غير أساسي في هرم الحكم البوتيني، وبالتالي فإن قتله أو أي سفير روسي آخر أو أي وزير، أو حتى رئيس أركان الجيش الروسي، أو رئيس الوزراء لن يلوي ذراع بوتين، ولن يجبره على تغيير سياساته والتخلي عن أهدافه التوسعية القريبة والبعيدة.
كما أن قتل أي موظف، صغير أو كبير في النظام الروسي أو الإيراني أو الأسدي، مهما عَظـُم دوره في حرب الإبادة الهمجية في سوريا، عموما، وفي حلب، خصوصا، لن يعيد إلى الحياة أؤلئك الذين دفنتهم تحت الأنقاض جيوش الروس، وشبيحة بشار الأسد، و(صولات) الجحوش الإيرانية والعراقية واللبنانية والأفغانية التي قادها وأشرف على (جهادها) المقدس قاسم سليماني قائد الفتح الإسلامي المظفر لبلاد الكفر السني، وحارس الهلال الشيعي الجديد.
ولكن الذي ينبغي الاعتراف به هنا أن بوتين وخبراءه العسكريين والمدنيين، وقادة طيرانه وبوارجه الحربية المدججة بأكل أنواع الأسلحة التدميرية المتطورة، لا يتحملون مسؤولية ما قاموا به من قتل وتدمير في سوريا، وفي حلب بشكل خاص، فقط، بل إنهم مسؤولون، مسؤولية كاملة، عن ما فعله الإيرانيون ومليشياتهم من تهجير وهدم وقتل وحرق ليس ضد المسلحين الذي قاتلوهم طيلة الأعوام السالفة، بل ضد كل من وصلت إليهم بنادقهم وصواريخهم من مدنيين أبرياء تناقلتها أجهزة الإعلام العالمية واعتبرتها الأمم المتحدة وشعوب الدنيا كلها جرائم حرب أبكت ملايين البشر على أيدي أطفال وأرجل نساء متناثرة بين أنقاض المنازل المهدمة.
إنهم زرعوا الكراهية والحقد والعنف والتطرف والتخلف في حلب، ومن الطبيعي أن يحصدوا كراهية أشد، وحقدا أكبر، وتطرفا أكبر، وعنفا أأكثر ضراوة، وعاديٌ جدا أن يصادفوا عشرات، وربما آلفا أو مليون ناقم متهور من خامة الشرطي التركي الذي أفرغ رصاصاته الغاضبة في جوف السفير الروسي القتيل.
ما جرى في سوريا، عموما، وفي حلب على وجه الخصوص، جريمة بكل المواصفات الإنسانية والأخلاقية والدينية، وانتهاك لجميع القوانين والشرائع التي ظن العالم أنه تركها على أعتاب القرن العشرين، وهو يدخل عصر التلاقح السلمي بين الثقافات والمصالح والعقائد المتخالفة المتعاكسة، وتكامل المصالح والمنافع بعقلانية وسلام.
والذي توهم أن حرق مدينة كاملة، بأطفالها ونسائها وشيوخها ورجالها غيرالمسلحين وغير المقاتلين، بحجة القضاء على حفنة مسلحين ببنادق صيد العصافير وبالخناجر والسيوف، يتخفون بين ركامها المتهدم، سيمر دون عقاب، مشروع أو غير مشروع، فهو واهم وأعمى بصر وبصيرة. والخوف والخوف من رصاص آخر أكثر، يفاجيء الروس والإيرانيين والأسديين لا في تركيا وحدها بل ربما في العالم كله، والبادي أظلم.
إن عواصف عنف جديدة متواصلة في انتظار المنطقة والعالم ستكون دماء ضحياها في رقاب الرئيس الروسي وحليفه الولي الفقيه وأسيره بشار الأسد.
فكم من سفير وكم من وزير وكم من رئيس سيفاجأ برصاص جديد يصبه عليه ناقمون وغاضبون؟، وكم من بريء سوف يدفع ثمن ما فعلته حفنة من مجانين مات في نفوسهم الشرف والآدمية والعقل والضمير؟!
لقد كانت الأحذية لغة الغاضبين المفضلة لنقل رسائل الغضب. ولكن حلب القتيلة جعلت الرصاص وسيلة حوار جديدة يفضلها المتطرفون، ولن يتمكن أحد من وقفها، أو أن يتوقع وقت ظهورها، ومكانها. ولله في خلقه شؤون.