18 ديسمبر، 2024 6:40 م

حوار الشركاء واقع وقناعة !!

حوار الشركاء واقع وقناعة !!

يعرف الحوار بأنه مراجعة الكلام، وتداوله، بين طرفين، لمعالجة قضية من قضايا الفكر، والعلم، والمعرفة وحتى السياسة ،بأسلوب متكافئ، يغلب عليه الهدوء، والبعد عن الخصومة، ويقال ان الحوار هو نوع من السحر الحلال ،الذي ينير العقول ويفتح امام بني البشر مساحات التلاقي والتأثر ببعضهم البعض ، فهو وسيلة تفاهم واتصال تأسر الافئدة ،وتتيح لهم الاستماع والتساؤل دون الركون للنقل والتأويل ،فهو بالنهاية تلق وبيان دون، فسح المجال لمن يسيؤن النوايا ..

في هذه المرحلة الهامة من تاريخ العراق المعاصر التي استنفذت فيها الكثير من المشاريع الهدامة اغراضها ، وتبددت اثار الانفعالات المعهودة لدى القوى السياسية الممثلة للمكونات ،و التي كنا نعيش اصدائها وارتدادتها في الشارع العراقي ، يبدو ان الاعم الاغلب من هذه القوى بحاجة لأن يستمع للاخر ويحاوره دون ان يجادله ،ففهم الاخر يحتاج اولا لفهم مقاصده وما يبتغيه ،كما ان ذلك يستوجب توافر الاستعداد لتقديم بعض التنازلات الحقيقية والتي كانت بطبيعتها تمثل زوائد ومطالبات غير واقعية ، كنوع من الارتفاع غير المعقول بسقوف المطالب ، ويبدو ايضا ان شركاء الوطن توصلوا لقناعة مفادها ،ان الاصرار على النهج السابق بعد كل هذه المدة الزمنية من التجارب المثقلة بالنزاعات لم يعد ممكنا ،فهم سيصلون لذات النتيجة المحبطة ،التي ينتهون عندها عقب كل صراع ،قد تكون حقة بظاهرها و مفتعلة ببواطنها حد تعجيز الاطراف الاخرى لسبب او لأخر .

النتيجة النهائية والمحصلة القطعية تؤكد ،ان ما يصلح من اليات واعراف سياسية كانت متبعة، لم تعد تناسب المرحلة المقبلة ،وان المضي بهذه الطريق الملغومة بنفس الاسلوب لم يعد مجديا ولا يوجب للاستمرار ، كما انهم على يقين اليوم ان ذلك لن يقنع جماهيرهم ،التي سئمت بدورها لعبة صراع الثعالب ،ولا اتحدث هنا عن ادوات الصراع واساليبه لأنها جزئيات متغيرة ،انما عن أصل الصراع ومدى تحقيقه للمصلحة ، والواقع يقول بعدم امكانية الغاء مكون او تهميشه وسلبه حق المشاركة ،ولا حتى عبر الاستقواء باعظم الجيوش واقواها، ناهيك عن اتهامات متبادلة ،هدفها تبرير مفهوم فرض سياسة الامر الواقع التي سادت في مرحلة ما، والتي كانت تتسم بالاصطفاف مع مشاريع معينة لا تحل المشاكل بل تفاقهما ، وانتهت الى فشل الجميع في اقناع الجميع ،
النظرة الواقعية لخريطة النفود تقول ،ان الوضع الدولي القائم ضاغط وهو متغير ولا ثبات فيه ، وخوض بعض القوى الدولية المؤثرة ودخولها صراعات اوسع ،لم تعد تشكل الجغرافية العراقية جزءا مؤثرا منه ،كما كانت سابقا ، اسهم بتغيير بوصلتها ،فالقوى الكبرى تنظر للامور من زاوية مختلفة تراعي فيها حجم الحليف الذي تميل اليه ،ومدئ تأثيره و قدرته على تحقيق مصالحها، ،كما ان المتغيرات التي نحن بصددها ، تفرض عليها عدم زج نفسها بمثل هذه الصراعات المحلية ،التي تستنزف طاقتها وقدراتها لصالح اطراف ليست عدوة اصلا ومتداخلة المصالح ، الغريب ان لا خصومات عميقة بين المكونات العراقية ،ولا صلح واتفاقات قطعية فالكل في هذا البلد يحتاج لوجود الكل ،وهذا الاحتياج يفرض ان يكون الجميع بسفينة واحدة هي سفينة العراق، التي ادركوا ان مغادرتها لتحقيق مصالح جزئية ضيقة لصالح أخرين مكلف جدا ، بحسابات التجربة وما انتجته المراحل السابقة.

اذن نحن امام ما يجب العمل عليه ،ويبدأ اولا بطي تلك الصفحة والتوجه للتهيئة لحوار هادئ عقلاني وصادق النوايا ، ثم التفكير جديا بتصفية المشكلات لتنسجم مع مخرجات ذلك الحوار ، الذي يمثل الحل في فضاء وطني لا تفرض فيه اي اطراف غير عراقية رؤيتها على العراقيين وهو امر ممكن ان اقتنعت الاطراف العراقية بذلك ، فلا مكان لمن لا يفكر بما تفرضه عليه عراقيته ، الامر الثاني الذي يجب مراعاته هو ،فسح المجال امام النخب ،خاصة النخب المثقفة ، فالقوى الوطنية العراقية بحاجة لنفي اعتقادها السابق ،و الاعتراف بالخطأ وهي تحتاج بطبيعة الحال لفهم جديد وادراك مختلف ، يؤكد على ان الثقافة هي الاداة الوحيدة التي تخرجها من مأزق احجام الجمهور عن سماعها ، وبطلان ما كانت تراه من إن الثقافة هي التي تفسد السياسية ، وذلك التصور واقعيا له اسبابه ،لان النخب تدرك تماما ان اختلاف القيم والاعتقادات والسلوكيات ،والنظرة التاريخية وطموحات التوسع الجغرافي طبيعية ،لكن بتصور توظيف مختلف عن ما يراه السياسي ،فما يراه الاول هو تلاقح ضروري بينما يراه الثاني غزوا ثقافيا يحجمه ويشتت جمهوره ويذيب هويته .

ان دعوات الحوار وضروراته المنطقية ،تفرض ايمانا مطلقا به بعيدا عن التصادم، و التشخيص الحقيقي يقول ان ما يحدث من صراعات سياسية ، يمكن مغادرتها لو تحول الاستعداد الى مبادرة ،تبدأ بنوايا صادقة وتنتهي باليات جديدة ،تزيح بعضا من تراكمات وآلأم تلك المراحل التي تلت العام 2003 ،لتؤسس بشي من النضج نظاما منتجا يبتعد عن عنتريات الثورة والتهديد والالغاء ،وبذلك يمكن اعتبار المدة الزمنية التي تلت اسقاط النظام الشمولي المجرم ، والبالغة عقدين من الزمن هي مرحلة انتقالية تنتهي بحوار، يطلق نظام حكم موثوق رشيد اساسه المواطنة ،ضمن حدود تحفظ الحقوق المادية والثقافية للمكونات، ويحتكم فيها الجميع للقانون ،مع دستور معدل بلا الغام ونصوص فضاضة ،كما ينبغي فهم الدور الذي تلعبه النخب الثقافية الوطنية على اختلاف تخصصاتها ،في التهيئة وتحديد منطلقات هذا الحوار الجاد..