حظرت قبل ربع قرن كرئيس هيئة تدريسية لكلية الدفاع الوطني محاضرة ( النظم السياسية) وبدأ المحاضر محاضرته بالقول عن النظام الديمقراطي بأن الاسلام هو اول النظم الديمقراطية (( وأمرهم شورى بينهم)) .. وكنت معتادا ان ادلي بدلوي بعد انتهاء المناقشة فقلت النظام الديني لا يمكن ان يكون ديمقراطيا لأن الديمقراطية هي الحوار ليكون القرار للأغلبية (( للذكر مثل حظ الانثيين)) (( وأن جنحوا للسلم فاجنح لها )) تعاليم ربانية لا تقبل الحوار .
وهكذا هي الاديان .. أنها تعاليم مقدسة قد تتقبل فتاوى (اجتهادات) للتفسير من لدن اصحاب الشأن (الفقهاء بغطاء الرأس)، وليس فقهاء الفيزياء او علم الاجتماع ، وبكل الاحوال فهي لا تتقبل الكثير من الاجتهاد إلا في حالات غياب نص عن حالة ظهرت حديثا ، ولا مجال لأقناع المسلم بتناول لحم الخنزير، ولا اقناع المسيحي بتعدد الزوجات .
عليه يحق لنا ان نسأل هنا اين الدين الابراهيمي الذي شاع مؤخرا ؟؟ وعلى ماذا نتحاور ؟؟ أعلى اختلافات مقدسة لدى اهلها ؟؟ وتحت ضغط التشدد الذي يمارسه رجال الدين لكل الاديان ، خصوصا وأن شاغلهم الاكبر هو اقناع المسيحي بأن دينه هو الصحيح ، وما عداه خطأ ، او ان المذهب الكاثوليكي هو الصحيح وليس غيره ، ولا نتوقع ان يحصل غير ذلك إلا اذا اقتنعنا ان الاطار التنسيقي سيقول ان التيار الصدري هو الصحيح ، او ان الخنجر سيقول ان الحلبوسي هو الصحيح . . انها الحالة نفسها .. تكفير كل من اتبع الدين الآخر اي كان ، وألا فأنت الكافر .. اما تعدد الزوجات حلال والمسيحي على غواية ، وأما هو حرام والمسلم على غواية ، بل ان الناس ينبغي ان يكونوا كلهم مسلمين وهذا واجب مقدس ، وأما ان تستمر الارساليات التبشيرية المسيحية ، وهذا واجب مقدس ايضا ، ونترك اوطاننا للمستعمرين ، ونهلل فرحا ان خمسة اشخاص مسيحيين صاروا مسلمين في إندونيسيا، ونعزف نشيد الله اكبر وكأن العالم كله صار مسلما ، والأمر نفسه عندما يتحول المسلم الى مسيحي ،
عليه نرى ان على البشرية ان تغادر هذا النهج العقيم والذي فيه مضيعة للوقت والجهد والمال ، ولنترك الدين لله فهو سبحانه الأعلم وهو الذي يزكي الانفس.
البديل المكافئ والأكثر نفعا هو حوار الاوطان .. اقصد الحوار الوطني بين ابناء الوطن الواحد ، الذي لا يكون حوارا دينيا وإلا ضاعت الاديان والاوطان .. اغلبية مسلمة .. اهلا وسهلا بالمسيحي والمندائي واليهودي في العراق ، وليس نحن الذي نرحب به كضيف على الاغلبية المسلمة فالوطن وطن الجميع بل هو حتى وطن الذي يعبد غير الله ، ولا افضلية للمؤمن على غير المؤمن ، ولا افضلية للأغلبية على الاقلية حتى لو كانت الاقلية يمثلها ثلاثة اشخاص بين ال 40 مليون عراقي . فهم ابناء وطن وهم اقرب الى العراقي المسلم من المسلم الاندونيسي .
الم يقل الاسلام (( لكم دينكم ولي دين )) ؟؟ الا يعني هذا الاشارة صراحة او ضمنا الى التعايش وعدم التدخل او التداخل بين الاديان ، نعم .. لا حوار بين الاديان والمذاهب وانما المطلوب حوار وطني كما اسلفنا مفاده او مؤداه الاجابة على سؤال واحد هو : كيف نتعايش سواسية بنفس الحقوق والواجبات في وطننا العراق ، ولكل دينه وشريعته وصلاته وصيامه .. شعائره الدينية ملك له يؤديها بمطلق الحرية بموجب دستور يؤكد هذه الحقيقة فالأرض اتسعت لكل الاديان والقوميات ، وأرض العراق التي رست عليها سفينة نوح ( ما تبقى من البشرية حينها) لقادرة على جعل الجميع يحبون العراق اولا ، والعراق اولا ، وسنرى كيف ستعود الامور الى نصابها ، وستصدح المآذن ، وتقرع اجراس الكنائس والمعابد ، ويزهو العراق بنا جميعا ونزهو به جميعا ، وسيذبل النزوع الامبراطوري القومي غير العربي المرتدي عباءة الاسلام ، او ان ينتخب غير العراق ممرا بديلا لطموحاته ، فيحق للإمبراطورية العثمانية ان تعيد امجادها ، وهكذا امبراطورية فارس ، ولكن ليس مرورا بنا هذه المرة لأننا سنكون دولة مدنية تحترم جميع الاديان وتحترم المواطنة ، فالذي يجمعنا جميعا هو وطن ودولة وليس دين او مذهب ، وسنكون لسنا سنة لنتأثر بتركيا السنية ، ولسنا شيعة لكي نتأثر بإيران ، رغم اننا ان كنا شيعة او سنة ، فنحن من نقل العقيدة الاسلامية الواحدة (سنية كانت ام شيعية ) لهما على حد السيف ، وبكل الاحوال نحن عراقيون اولا وآخرا