بعد قطيعة طويلة، يعود الحوار بين إدارة الرئيس بايدن ونظام إيران، الى واجهة الأحداث،من بوابة الإتفاق النووي الإيراني،ومحاولة إعادة الإتفاق، الذي فشل الإتحاد الاوروبي وأمريكا في مؤتمر فيينا ، في أنجاحه وتوقيع إتفاقيته من جديد، بعد إصرار إدارة بايدن على العودة به، الى إتفاقية عام 2015،اليوم تغيرّت التفاهمات وتنوّعت طرق الحوار،بعد فشل روسيا والرئيس بوتين من إحراز (نصر)، ولو إعلامي وليس عسكري، في حربها على أوكرانيا،والتي وقفت إدارة بايدن والدول الاوربية مع أوكرانيا عسكرياً وسياسياً وإعلامياً ،وزودوها بأحدث الأسلحة والدبابات والصواريخ، والدعم اللوجستي ضد روسيا، مما جعل من حلم بوتين دخول (كييف) وإسقاط نظام الرئيس زينيليسكي، حلماً لم ولن يتحقق على الأرض، وهزمت روسيا وجيشها عسكريا، رغم القوة المفرطة في القصف بالصواريخ ،والمدفعية والطائرات المسيرة الايرانية، التي تدك كييف يومياً وبشكل وحشي،ولهذه التداعيات العسكرية ، إنعكاساً إيجابياً على قيام الإدارة الأمريكية، بإنتهاز الفرصة الذهبية لهزيمة بوتين في أوكرانيا، لإعادة المفاوضات مع الصين وإيران، لإعادة الاوضاع والعلاقة بينهم ،الى مسارها الطبيعي بعيدا عن بوتين ،الذي غاص لوحده في مستنقع أوكرانيا، وخسر الحرب معها، اليوم إدارة بايدن، تقود حوارات متسارعة مع الصين ،والذي يتواجد وزير خارجيتها الآن في بكين، لإجراء تفاهمات بين أمريكا – الصين على أساس المصالح الإقتصادية اوالعسكرية ألإستراتيجية،وجرّها أو تحييدها ،عن دعم روسيا بوتين في حربها مع أوكرانيا، وهكذا إلتقى الطرفان الأمريكي – الإيراني ولأول مرة لأجراء حوارات حقيقية ، لإعادة الإتفاق النووي الإيراني الى ماقبل عام 2015، وبصيغة تخدم الطرفان، بعد توتر واضح في العلاقة الأمريكية الاسرائيلية، بسبب التفاوض الامريكي مع طهران، دون التنسيق مع إسرائيل ،في وقت كانت بغداد تستقبل أكثر من مسؤول خليجي وسعودي ،وفي مقدمتهم الامير تميم امير قطر،ووزير خارجية عمان ووزير خارجية السعودية، لإطلاع العراق على مراحل التفاهمات والحوارات، والتي يشكّل العراق المحور والثقل المركزي ، لتنفيذ الشروط الامريكية ، والتي بدأت تتبلّور في الشارع العراقي، من خلال عدة إجراءات تحدثت عنها الصحافة الأمريكية، والجولات المكوكية للسفيرة الأمريكية ألينا رومانوسكي، وهي عرّاب السياسة الأمريكية في المنطقة ،وهي السفيرة الامريكية الوحيدة في العالم ،التي تحمل صلاحيات الرئيس الأمريكي جو بايدن،وما تجسّد من الحوارات مايخص تحجيم حركة ونشاطات الحشد الشعبي والفصائل الولائية في العراق،والضغط على الكتل السياسية في لبنان ،لإنتخاب رئيس لبناني جديد، وتحجيم حزب الله اللبناني، ومن ملامح الإتفاق وشروطه ،التي يجب على إيران تنفيذها، حلّ مشكلة اليمن مع الحوثيين، ورفع يد طهران من دعم الحوثي، والرضوخ الى هدنة وتفاهمات مع الحكومة الشرعية، وكذلك إيقاف أيّ نشاط للفصائل ،وحزب الله اللبناني والحرس الثوري في سوريا والعراق ولبنان واليمن،والتخلّي عن الفصائل الولائية بشكل كامل،وفي العراق تم إعلان السوداني عن أولى شروط السفيرة الامريكية، في إخراج الحشد الشعبي الى خارج المدن، ورفع صورة الجنرال قاسم سليماني من شوارع العراق،وإجراء إنتخابات تدعمها وتشرف عليها السفيرة رومانوسكي،ودعم حوار عراقي خليجي ،لإعادة العراق الى وضعه الطبيعي، بعيداً عن الهيمنة الإيرانية لأحزابها في الإنتخابات المقبلة ، والسماح للمعارضين المشاركة فيها ، وبدون إقصاء أي طرف ، يؤمن بالعملية السياسية ، التي تديرها وتشرف عليها السفيرة وكادرها، لاسيما وأنها إلتقت بجميع المعارضين للعملية السياسية ،وإلتقت بجميع رموز احزاب الحكومة،ورجال الدين ورؤساء العشائر في العراق، وأبلغتهم السيناريو والإتفاق الأمريكي الجديد، بالإتفاق والتوافق مع إيران ، على عدم التدخل في شؤون تلك الدول،مقابل العودة الى الإتفاق النووي الإيراني،نعم تحركات السفيرة في بغداد،وزيارة أمير قطر ،وجولات وزير الخارجية بلينكين في المنطقة والصين، واضحة الأهداف، وقد حققت الكثير على الأرض،ومانراه في العراق، من لقاءات وجولات للسفيرة، وتوقف القصف الولائي للسفارة ولاربيل وللقواعد الامريكية،لهي رسالة واضحة على تقدم واضح في الحوار مع إيران،والتطور المتسارع بالعلاقات السعودية –الإيرانية ،والتي وصلت فتح السفارات بين البلدين وزيارات وزراء الخارجية للبلدين ، وقريبا زيارة الرئيس الإيراني للسعودية، هذا التحول الإستراتيجي في فتح حوارات وإقامة علاقات وتفاهمات ،بين إيران والسعودية ودول الخليج العربي،هو فرصة لإعادة الأمن والاستقرارفي المنطقة ، ورفع مستوى العلاقة مع طهران الى فتح السفارات ،وتطبيع العلاقات الأوربية والعربية والأمريكية معها،هكذا تنظر إدارة بايدن الى إعادة الإتفاق النووي، كمفتاح لحل وإزالة التوترات في المنطقة ،على وفق الشروط الامريكية ، ولكن إسرائيل لايرضيها الخطوات التي تقوم بها إدارة بايدن ،دون التنسيق والتفاهم معها، لضمان إبتعاد خطر النووي الإيراني عنها،والتي تهددّ بضرب المفاعلات الإيرانية ، كل يوم اذا لم تضع أمريكا وحلفاؤها، حداً للمفاعلات النووية، والصواريخ الباليستية، والطائرات المسيرة الإيرانية ،أمريكا تعمل بدون التنسيق مع تل ابيب ، وهذا أدّى الى توتر شديد بينهما، ربما سيحرج أمريكا، اذا قامت اسرائيل بتنفيذ تهديداتها بضرب منشآت نووية ايرانية بشكل منفرد عن أمريكا، وهو ما ستقوم به منفردة، إذا لم تقم إدارة بايدن بضم تل ابيب الى تفاوضاتها مع طهران، ولو من تحت العباءة الأمريكية، فالتطبيع مع إسرائيل ،أولى شروط الرئيس بايدن مع طهران، ودول الخليج العربي،لهذا نرى أن الحوارات الأمريكية – الإيرانية لامعنى لها ،بدون إشراك إسرائيل معهما ،أما السعودية ودول الخليج العربي، فالتطبيع مع طهران وإسرائيل يسيران بوتيرة واحدة ، ويشرف على هذا أمير قطر، وولي العهد السعودي، الذي يزور فرنسا،ومن مؤشرات التطبيع الذي تقوده قطر في المنطقة بدعم أمريكي، هو إعادة العلاقات القطرية – الإماراتية، وهذا دليل على أن التطبيع مع طهران ،قد دخل حيز التنفيذ، فأمريكا ترى أن الوقت ملائم جداً،لهذا التطبيع ، والإستفراد في الهيمنة على المنطقة لتنفيذ اجندتها ، في ظل غياب القوتين الأساسيتين روسيا وإيران ، وإنشغالهما عن المشروع الأمريكي ، فنحن نرى هيمنة القرار السياسي الأمريكي ،بدأ يأخذ شكلاً جديداً ومؤثراً، بسبب التداعيات الأخيرة في السودان وحرب أوكرانيا،لهذا نعتقد أيضا أن السيناريو الامريكي الجديد ، يمضي الى التحقق بشكل متسارع ، وخاصة على المستويين الإقتصادي والعسكري ووكذلك السياسي ، والتخادم الأمريكي الأيراني ،بفعل الحوارات العلنية بينهما أصبح واقعاً ، لخدمة السياسة الامريكية الخارجية،وهذا يؤكد حقيقة واحدة أن إيران في مأزقها التأريخي ، ستتخلّى عن جميع حلفائها في المنطقة(وهو شرط أمريكي)، وتتركهم لمصيرهم، لأنها تفضل التخادم الأمريكي معها ، الذي يحقق طمحها في الاتفاق النووي،على التعاون مع حلفائها في عموم المنطقة البلا جدوى، والذي خسرها الكثير من السمعة، والتضحية بمصالحها الإستراتيجية، وفشل مشروعها الكوني والديني، في عموم العالم والمنطقة وحوّلّها الى دولة منبوذة وراعية للإرهاب بنظر العالم كله، لذلك فالحوار الأمريكي مع إيران في نظري هو تخادم، ولكنه سيفضي في النهاية الى تصادم …!!