23 ديسمبر، 2024 1:39 ص

حواراتي الشخصية مع نوري المالكي عام 1996

حواراتي الشخصية مع نوري المالكي عام 1996

بداية ليس القصد من عرض هذه الحوارات التفاخر بمعرفة الشخصيات الهامة ، ولو كان هذا هدفي لعرضتها حينما كان المالكي رئيسا للوزراء ، اما الآن فلا اعتقد يوجد عاقل يتباهى بمعرفة المالكي الذي يعد كارثة حقيقية على البلد . وغرضي من كتابة هذه المقالة هو كشف بعض جوانب شخصية المالكي الذي ترك بصمة دموية على تاريخ العراق.

دخلت سوريا – السيدة زينب عام 1991 ، بعد معجزة أنقذتني من ورطة كبرى أثر صدور قرار الأمم برفض قبولي لاجئا وإنتهاء مدة إقامتي في الأردن ، وعدم رغبتي العودة للعراق ، و في خطوة متهورة ركبت السيارة المتوجهة الى سوريا وفي جيبي حوالي 5 دولارات فقط ، وبعد تحقيق بسيط رفضت سلطات الحدود السورية دخولي وأعادوني الى الأردن ، وبناءا على أقاويل بعض العراقيين من ان سلطات المطار السورية تسمح بدخول العراقيين ، وفي غمرة أوهامي ورجائي بالنجاح في الوصول الى سوريا قمت بجمع التبرعات لشراء تذكرة السفر ، وعند مكتب المغادرة رفضوا صعودي الى الطائرة ما لم أحجز تذكرة الرجوع خشية من إعادتي على نفس الخطوط الجوية الأردنية ، وفي لحظة حرجة قاتلة تبرع لي في المطار أحد الشرفاء العراقيين بشراء تذكرة العودة ، وفور وصولي الى السيدة زينب أرشدوني الى إحدى الحسينيات التي كان يتوفر فيها المنام والطعام المجاني ونجوت من مشكلة الإفلاس.

كانت عناصر المعارضة العراقية لا أحد من أبناء الجالية مهتم بها أو يحترمها ، وكنا نبتعد عنها، فقد كانوا منذ ذلك الزمن متهمين بالإنتهازية والسرقة والعمالة ، ووصل الأمر الى ان بعض فصائل المعارضة الإسلامية سرقة حتى الأحذية والبطانيات التي جاءت تبرعات للعراقيين .. تبادلت الكلام مع المالكي لأول مرة في بيت أحد رجال الدين البحرينيين ، وقد أعرب عن إستغرابه كيف قفز الرئيس المصري حسني مبارك الى السلطة ، علما مبارك كان قائدا للقوة الجوية ثم نائبا للرئيس ، ولا أدري بعدها ماذا قال المالكي عن نفسه يوم قفز هو الى السلطة بدون مؤهلات وطمع فيها لغاية الآن .

بعدها بينما كنت أتردد على المكتبة العامة في دمشق في أواسط 1996 لاح لي المالكي يتمشى فيها وكان يقف قربي شخص عراقي أخذ يسخر منه عن بُعد دون ان يدري المالكي فأثارت تلك السخرية إنزعاجي وتحركت في داخلي مشاعر التعاطف مع المالكي ، وهو نفس الموقف تكرر معي إبان رئاسته للوزراء حينما رأيت تعرضه لهجمة إعلامية ظالمة من قبل الأحزاب الكوردية مما دفعني لكتابة عدة مقالات دفاعا عنه ، ولاحقا شعرت بالخطأ والندم على كتابة تلك المقالات بعدما عرفت فضائح المالكي ، نعود الى المكتبة ذهبت الى المالكي وسلمت عليه وبحكم كوني أتردد بشكل يومي على المكتبة ولديَ خبرة في رفوف كتبها وفهارسها عرضت خدماتي عليه كما هي عادتي مع الجميع في المبادرات الإنسانية ، وكان يعد رسالة الماجستير في الأدب بإشراف الرئيس السابق فؤاد معصوم في إحدى جامعات كردستان ، وللأمانة كان المالكي يكتب اطروحته بنفسه ودوري كان بسيطا يقتصر على مساعدته في جلب بعض المصادر من الرفوف .

تكررت لقاءاتنا في المكتبة ، وقد أدهشني رغم معرفته القصيرة والبسيطة بي أباح لي بسر خلافته مع ابراهيم الجعفري حيث إشتكى لي من تهجم بنت شقيق الجعفري بواسطة الهاتف على مكتب الدعوة في دمشق بسبب تعرض ابن شقيق الجعفري للسجن في سوريا وعجز مكتب الدعوة عن إطلاق سراحه ، لاحظوا بركات أميركا على الأحزاب الشيعية كان المالكي وغيره مجرد عناصر هامشية بلا قيمة لدرجة لايستطيعون مقابلة ضابط شرطة في سوريا لإطلاق سراح سجين وفجأة بفضل أميركا اصبحوا ساسة كبار يمتلكون ملايين الدولارات ثم سرعان ما غدروا بالأمريكان … فأجاني المالكي بسخريته من تهديد بنت شقيق الجعفري بأنها ستشكو مكتب الدعوة لدى عمها الجعفري، وظهر لي ان المالكي منذ ذاك الزمن وربما قبله لايحترم الجعفري ، وبقيت مندهشا كيف كشف لي عن أسرار علاقتهم السيئة بالجعفري وهم يعتبرون تنظيما سريا !

وفي لقاء آخر تكلم المالكي بمرارة قائلا : (( المعارضة ضعيفة ، ونظام صدام قوي )) مما عكس حالة اليأس التي كانوا فيها ، وبالفعل في تلك الفترة صدرت التعليمات لعناصر حزب الدعوة في سوريا بالتوجه الى مكتب الأمم المتحدة وطلب اللجوء وتم تسفير اعداد كثيرة منهم الى أميركا واوربا مما يعني اليأس من سقوط نظام صدام وعودتهم للعراق، والمثير للشك عدم عودة الكثير من عناصر حزب الدعوة وغيرهم من الإسلاميين الشيعة الى العراق بعد تغيير النظام وإستلام الوظائف فهذه فرصتهم للنهب والسرقة وتكريس نفوذهم بالسلطة ، لكنهم إكتفوا بتزوير وثائق التعرض للفصل من الوظيفة والسجن والحصول على التعويضات والرواتب التي ترسل لهم من العراق ، والسؤال : هل طلبت منهم المخابرات الإيرانية منهم البقاء في أميركا وأوربا لغرض تشكيل خلايا تخريبية إرهابية ؟!

وأيضا في لقاء آخر فاجأني المالكي بإعتراف حول تعامل مكتب حزب الدعوة مع العراقيين في سوريا حيث إعترف قائلا : (( اني أكذب والسائق يكذب واحد يذبه على الآخر )) وكان يتحدث بخصوص سيارة الخط العسكري الذي تأتي طلبات العراقيين عليها لمكتب الدعوة للسفر الى لبنان من دون فيزا وكان السفر مجانا دون أجور ، وبعد إعترافه ذاك بقيت حائرا كيف كشف نفسه لي وتحدث عن كذبه وانا غريب عليه ولست صديقا مقربا ويفترض به كسياسي الظهور بمظهر الكمال والعظمة امام الجماهير الغرباء من أمثالي!

بادر المالكي في مساعدتي للحصول على الإقامة الرسمية في سوريا ، وزودني بكتاب تعريف و تزكية من مكتب حزب الدعوة ، ولست متأكدا من دوافعه هل إنسانية .. أم نزوة .. أم دعاية شخصية وحزبية … أم حالة نفسية يتعرض لها الشخص اللئيم الذي يقدم له شخصا ما خدمة فعتبرها دينا وطوقا في رقبته يخنقه ويسعى الى ردها والتخلص من صاحبها ؟!

إنهارت معرفتي البسيطة بالمالكي قبل إسقاط نظام صدام حسين بفترة قصيرة حينما جاء الى أميركا وعقد ندوة صغيرة في ولاية ميشغان حيث أعيش ، ووجهت أنا له الإنتقاد لقيادته سياراته المرسيدس في شوارع السيدة زينب مما كان يؤدي الى إستفزاز مشاعر العراقيين الفقراء والجياع هناك ، وكذلك إنتقدت قيام حزب الدعوة ببناء حسينية بكلفة حوالي مليون دولار في السيدة زينب ، وكان الأفضل إنشاء معامل خياطة أونجارة لتشغيل العراقيين العاطلين في حينها .

حينما تسلم منصب رئيس الوزراء كتبت مقالة محذرا من كونه صاحب عقلية متخلفة ضد المرأة ويحمل أفكارا إرهابية وسيكون كارثة على العراق ، وقد ترجمت تلك المقالة الى اللغة الإنجليزية ونشرت في بعض المواقع الأميركية ، ونفى أحد المقربين منه في وسائل الإعلام عداء المالكي للمرأة .

بصورة عامة شخصية المالكي تسطير عليها النزعة العشائرية وليست الإسلامية ، وهو حاله حال مثل معظم عناصر الأحزاب العراقية تم التغرير به في عمر المراهقة وإنضم الى حزب الدعوة وحينما إندلعت الحرب العراقية الإيرانية خرج من العراق هربا من الخدمة العسكرية وبعدها دحرجته الأحداث الى مستنقع الخيانة ، وإذا كان كان المالكي جاهلا ثقافيا ، ماذا فعل عادل عبد المهدي المثقف العلماني للعراق .. تكررت المشكلة ذاتها مع جميع الساسة حيث فشل العراقيون في إدارة شؤونهم وظهرا واضحا حاجتهم الى الوصاية الأميركية عليهم !