6 أبريل، 2024 11:47 م
Search
Close this search box.

حنين الروح الهائمة .. العاشق للأمكنة المجهولة

Facebook
Twitter
LinkedIn

عشت حيرة حقيقية فيما يخص المكان مشكلتي ليس البشر ولا الأمراض والفقر والنظم القمعية ، مشكلتي العلاقة مع المكان .. كنت أتلوى من الشوق والحنين الى مكان مجهول شدني الحب اليه بقوة عجيبة تصل أحيانا الى درجة العذاب ، ولاأعرف سر علاقتي الصوفية بالأمكنة ، كانت روحي تشعر بالغربة والوحشة ، فجميع المدن الحديثة رغم إعجابي بمستواها الحضاري وتقدمها ، لكنها لا تشبع حاجاتي الروحية للمكان ، وإذا مررت بمدينة معاصرة ورأيت بناياتها العملاقة وشوارعها العريضة وحدائقها وإزدهارها العمراني .. أنشطر الى نصفين : ما بين الإعجاب العقلي بالتقدم العمراني ، ويعتريني شعور بالإنقباض والوحشة والكآبة .. هذا ليس عالمي أنا المعذب بالبحث عن رفيق الروح ليس من البشر وإنما المكان !

مواصفات مدينتي التي أحلم بها ويتحرك الحنين اليها كما لو انها كانت واقعا عشته .. هي مدينة القديمة وفيها أزقة وأسواق ضيقة ، وتقع مباشرة على نهر تربض على شواطئها قوارب عتيقة ، وكان العنصر البارز في المدينة المتخيلة هو ان الأبنية فيها متاخمة للنهر وهو جزء منها .وفي أحد المرات بينما كنت أشاهد فيلما وثائقيا عن الهند تجمدت أمام منظر مدينة (( فراناسي )) ، ودوت صرخة في أعماقي : (( هذه المدينة الحلم )) كانت تحمل نفس الملامح التي تخيلتها بعشق خرافي .. مدينة قديمة دينية تكتظ بالأزقة والأسواق الصغيرة ، ويقع النهر بجوار المنازل ، واجمل مافيه أن شاطئها مزدحم بالناس ، والمدينة كلها عبارة عن تاريخ وفلكلور وطقوس دينية ، وحياة بسيطة تجسد أعظم ماتتصف به الحضارة الهندية من خصوصية وجمال .

لحظة رؤيتي للمدينة وتعرفي عليها عن طريق أفلام اليوتوب .. أصابني نوع من التوهج الروحي الممزوج بالدهشة والغبطة الداخلية العميقة ، وشعرت بالرغبة في النوم وكأنني أريد الإستراحة من رحلة بحث طويل . لقد عثرت على مدينة الروح ، علما هذه المواصفات تختلف عن المكان الذي عشت طفولته فيه ، حيث عشت منطقة صحراوية قاحلة سكنها أبناء الطبقة الفقيرة جدا ، ويفترض ان يكون نقيضها الذي تتوجه اليه مشاعر الحب للتعويض هو المدن المعاصرة الحديثة ، لكن هذا لم يحدث!

في عقيد تناسخ الأرواح يوجد قانون تنتقل الروح بموجبه الى أجساد متعددة وتطوف في أرجاء مدن العالم و لدى مختلف الشعوب والقوميات والأديان والطبقات ، وهكذا تتحقق العدالة ويعيش جميع البشر بالتساوي بعد تعرضهم لشتى الظروف والأحوال والأمكنة .. شخصيا مع تحفظي على مفهوم تحقيق العدالة لأن الوجود لاأعتقد هناك قوى عاقلة خيرة تقف خلفه ، ولكن لاأستبعد شيئا من هذه الفرضيات إذا ما نظرنا الى ما يسمى الروح على انها طاقة تحمل شيفرة شخصية تنشطر الى عدة أجزاء تتجسد في نفس الوقت أو في أوقات مختلفة ، خصوصا علم فيزياء الكم يطرح فرضية تعدد الشخصيات وتواجدها في عدة أكوان بعيدة ، ومادامت فرضية ، ما المانع من توسيع مضمونها كي يشمل الأرض وتعدد شخصيات الشخص الواحد في عدة أماكن ؟

وسواء سبق لي العيش حياة ماضية في الهند .. أم مجرد خيال صادف موضوعه وأحسست بالإنتماء الى مدينة فراناسي .. فإن هذه التجربة الروحية والعلاقة بالمكان .. أشعرتني ان الحنين لعوالم مجهولة لا يجب حصر تفسيره بالخيال فقط ، بل يحتمل تفسيرات تتعلق بطاقات الباراسايكلوجي وقدرة الإنسان على الإستبصار والإنتقال بروحه الى أبعد من حيزه الجغرافي الشخصي ، لكن يُطرح سؤال هنا : إذا إفترضنا قدرة الروح على التنقل وإستشفاف أمكنة أخرى وعوالم بعيدة .. لماذا التعلق لدرجة العشق من دون وجود تجربة سابقة في العيش على أرض تلك المدينة المتخيلة ؟ ، وكذلك لايجب إستبعاد فرضية تناسخ الأرواح مادام لايوجد دليل على نفيها ، أما كون القصة كلها محض خيال وصدفة .. فأعتقد الأمر أعمق .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب