اعتاد ابناء الشعب العراقي على تكرار الاصابة بالجلطات السياسية، والتي ما انفكت يوماً من ايام الشهر الواحد، ولا ابالغ واقول الاسبوع الواحد، الا واصابته والحقت به كل أثر سيء بسببها، واحرقت تصريحات الخصماء ومواقفهم المُتشنّجة اخضر زرعه ويابسه.
وألطف واجمل ما في هذه الجلطات، انها وقتية، اذ سرعان ما تُنسي الجلطة الجديدة سابقاتها من الجلطات، ولا يكون بعدها اي حديث ولا اثر للجلطات التي سبقت ولا خبر يذكر.
وهذا في حقيقته يعود بالفضل للكادر السياسي المُختصّ الذي يعمل ليل نهار على ايجاد الوسائل والطرق الحديثة لمعالجة مثل هكذا جلطات متكررة، لكي تستمر روح الحياة السياسية اطول فترة ممكنة، ولا تفارق الحياة.
وكما اشرنا في بداية الاسطر من ان هذا البلد المسكين ما عرف الهدوء والراحة شهراً كاملاً بحاله الا واصيب وتمرض، فبعد الخمود المُفاجيء في أزمات اقليم كردستان والحكومة المركزية وشبهات صفقة السلاح واختلاسات البنك المركزي، والتي احدثت ضجة كبيرة في حينها داخل الوسط المحلي والاقليمي والدولي، والتي الى الان يجهل الشارع اسباب سكونها وخمود نارها المُفاجئة، اصيب البلد بازمة جديدة ولكن هذه المرة من غير نوع، اذ قامت قوات أمنية غير مُنضبطة حسب بيان رئاسة الوزراء باعتقال حماية وزير المالية العراقي، بدعوى قيام مسؤول حماية الوزير ومجموعة تعمل معه باعمال ارهابية ضد المواطنين.
فتعالت الاصوات الرافضة والاصوات المؤيّدة كما هو الحال في كل مرة، فاتهمَ وزير المالية حكومة المالكي باتهامات جمّة ووصفها بالمليشياوية ودولة اللاقانون، وذلك من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده هو ونائب رئيس الوزراء ووزراء القائمة العراقية وبعض من نوابها في منزل رئيس مجلس النواب العراقي وبحضور رئيس المجلس شخصياً.
حتى وصلت حدة النبرة الى الطائفية واتهام دولة الرئيس المالكي بالانتقام من السنة على حساب الشيعة، اضافة الى غيرها كثير من العبارات المتشنجة الاتهامية.
وفي مقابل ذلك انبرى دولة الرئيس وبعض من النواب التابيعن له والذين اعتدنا على خروجهم في مثل هكذا مواقف وازمات، واتهموا الطرف الاخر بجر البلد الى الصراع الطائفي بكلامهم الذي اطلقوه، وعدم احترام هيبة الدولة التي وصفوها بتلك الاوصاف السيئة ونعتوها بتلك النعوت المستصغرة.
وتوقع الشارع والمراقبين للشان العراقي بان صراعاً كبيراً دموياً سيلوح في الافق، ويعيد البلد الى مربع الحرب الطائفية، وذلك وفق المعطيات التي استنتجوها من مجريات الاحداث المتسارعة التي تخص هذه القضية حصرا.
ومن بين هذا الضجيج والضوضاء ومن دون سابق انذار، وبشكل مفاجيء، نقلت وسائل الاعلام عن اتصال أجراه دولة الرئيس بالوزير المتهم بالارهاب، وقالت المصادر المقربة انه دار بين الشخصين حديث لطيف، وان حوارهما كان وديا، وان العلاقة اصبحت بينهما اكثر تقارب وتوادد من ذي قبل.
والمفاجأة الاكبر من ذلك، هي دخول شخص على خط الازمة، عرّفته وسائل الاعلام على انه مدير المخابرات العراقي، وهو شخص تقول بعض الاوساط المقربة الينا انه كان طيارا سابقا في نظام المجرم صدام، وشارك في قمع الانتفاضة الشعبانية المباركة وتحديدا في محافظة ميسان المجاهدة، ولا ادري كما ان غيري لا يدري ما هو دخل المخابرات في سير هذه القضية؟، مع ان هكذا قضايا وكما يدعي دولة الرئيس وكل اللائذين تحت عباءته هي قضائية قانونية ليس من حق اي احد او سلطة التدخل بها.
ولكن ما دمنا في بلد اسمه العراق، فلا عجب مما يجري ويحدث، لان كل شيء متوقع وجائز حسب دستور ومقررات الديمقراطية الوليدة التي انجبتها وربتها امريكا في هذا الوطن الجريح.
ولم تتوقف المهازل عند هذه الحدود، بل ان الناطق باسم مجلس القضاء الاعلى قال انه لا علم لنا بتحويل ملف القضية الى جهاز المخابرات، علما ان مجلس القضاء الاعلى هو الجهة التي اصدرت كما ادعى دولة الرئيس اوامر القاء القبض بحق المتهمين في هذه القضية، وهي السلطة الوحيدة المسؤولة عن مجرياتها وسير التحقيق فيها من الناحية القانونية والادارية.
وهل تتوقف هنا مسرحية الضحك على الذقون؟!، كلا، بل ان رئيس مجلس انقاذ الانبار وبعد لقائه دولة الرئيس، قال انه سيلتقي هو والوفد المرافق له برئيس مجلس القضاء الاعلى، زميل مدير المخابرات سابق الذكر في قمع الشعب ابان النظام البعثي، وسيطلبون منه نقل القضية الى منطقة اخرى، وحسب ظني ان المنطقة التي سيُنقل لها ملف الدعوى هي الانبار، او على اقل التقادير فان الموضوع سيتم معالجته في بغداد ولكن بهدوء تام وبعيدا عن ضوء الشمس، وهذه المسرحية اظنني شاهدتها قبل فترة ليست بالطويلة، وضحكت وبكيت عليها كثيرا من شدة جنوني، وذلك حين القي القبض على منفذي جريمة النخيب التي طالت زوار السيدة زينب عليها السلام، والذين اطلق سراحهم فيما بعد وباسرع من البرق، معززين مكرمين وباوامر وفبركة من قبل مختار العصر كما يحب ان يسميه انصاره ومؤازيره.
لذا اظن ان سيناريو النخيب سيكون مكررا هذه المرة، لكنه بعنوان اخر وبترتيشات واضافات جديدة، حتى لا يكون العرض مُملاً للمشاهد الكريم، الا ان القاسم المُشتَرَك الذي سيبقى بين كِلا المُسلسلين هو مخرجهما دولة الرئيس.
وهنا اخاطب في نهاية هذه الاسطر الاصوات التي اتهمت رئيس الوزراء العراقي بالطائفية، والميول الى مذهبه على حساب المذهب السني، واقول لهم، ان رئيس الوزراء نوري كامل محمد حسن علي المالكي، والذي يفتخر بانه قتل من الشيعة اضعاف ما قتل من السنة، لم يكن طائفيا يوما ما الى مذهبه، بل العكس تماما، نعم هو قد يكون طائفيا وبامتياز الى كرسيه ومنصبه ومن دون نقاش، ولكن ان يقول احدكم انه طائفي لمذهبه فهذا خلاف الحقيقة، وعليه نرجوا ان لا تتكرر صيحاتكم بهذا الخصوص مستقبلا، عند حصول اي فعل او كلام يصدر منه، وان كان هناك من انتقاد وترتيب اثر، فيجب ان يوجه اليه حصرا، والى حزبه وكتلته، والا فان خطاباتكم ستكون بعيدة عن الانصاف، لان المذهب لا يمثله شخص بعينه، وكما ان كثيرا منكم لا يمثلون طائفتكم بتصرفاتهم واقوالهم، فليكن ايضا دولة الرئيس من اولئك الذين لا يمثلون الا انفسهم واحزابهم فقط.