23 ديسمبر، 2024 9:39 ص

قبل سنوات أنتشرت في الشارع العراقي أشاعة مفادها (إذا إن لم تقوموا بوضع الحناء على رؤوس الاطفال فسيموتوا … ) والحق بالاشاعة ملحق منسوب لأحد المراجع إنه وجه بوجوب وضع الحناء على رؤوس الاطفال وبما أن الموضوع له علاقة بالأطفال وحياتهم وحضور العاطفة في الموضوع فقد هبت العوائل الى الاسواق تلتهم الحناء بشكل جنوني وباتت رؤوس الاطفال بالشوارع ملونة باللون الاصفر فلا تجد طفلاً الا ورأسه تعلوه الحناء وأختفت فجأة الحناء من السوق وأرتفع سعرها بشكل جنوني حتى باتت بسعر الذهب ، ثم جاء ملحق أخر مكمل للإشاعة هو وجوب طبخ الماش حتى تكتمل الحماية من الابادة المتوقعة للاطفال وهكذا أختفى الماش من الاسواق إسوة بالحناء ليرتفع سعره هو الاخر وينفذ من الاسواق ،طبعاً قبل الاشاعة كانت هاتين البضاعتين أكثر بضاعة كاسدة في السوق العراقية واذا بها بعد أطلاق الاشاعة تنفذ من الاسواق ويرتفع سعرها فضحك التجار على مجتمع كامل وعرفوا مكامن الضعف فيه فعندما تمتزج العاطف مع الدين تستطيع أن تسير الناس دونما تفكير وكأنما هم منومون مغناطيسياً والجريمة هنا هي الاستغفال والمستفيد هم التجار والضحية هم الناس البسطاء والاداة هي الجهل والغريب أن من أنجرف وراء هذه الاشاعة لم يقتصر على الناس الأميين وإنما حتى المتعلمين ومن يحسب على الثقافة وأصحاب الشهادات فالجهل هنا هو أنعدام الوعي أو بالأحرى التغطية والتعمية عليه بغطاء العاطفة وعندها تكون الرؤية مشوشة وغير واضحة ولكن السكوت عن مثل هذه الاشاعات والاكاذيب والتقاعس في مواجهتها ستكون له عواقب وخيمة على المجتمع لأنها سترسخ جذورها وتمتد وتتمظهر كمسلمات غير قابلة للنقاش وتتحول الى ثوابت لايسمح بالاقتراب منها ومن يجرأ على المساس بها سيتهم بشتى الاتهامات كما واجهت المجتمعات البشرية الانبياء والمصلحين عندما أرادوا إعادة هذه المجتمعات الى السراط المستقيم بعد انحرافهم فالمواجهة تكون أسهل مع بدء الانحراف وأيسر فعلى الرسالي الواعي الا يتقاعس بحجج فقدان الامل من التغيير أو اليأس من التأثير أو التخوف من ردود الافعال المتشنجة فكل هذا أمر طبيعي فالسباحة عكس التيار لها صعوبتها ولن تكون سهلة يسيرة وقد لا تحصد النتائج فوراً ولكن من المؤكد أنها لها تأثير وإن كان غير ملحوظ في الوقت الراهن ففي أدنى التأثير سيزعزع ثقة المجتمع بهذه الخرافات ويشكك بها ولن تحسب من الثوابت وعندها سنسهل مهمة أزاحتها لمن يأتي من بعدنا فالبضائع الكاسدة في السوق كثيرة وتصريفها لن يكلف أصحاب الدكاكين إلا كلام مأجور من على منابر الاوهام .