22 ديسمبر، 2024 11:15 م

حملة نابليون وحروب أمريكا: ذاكرة العرب المثقوبة ولا مطالبات بتعويضات!

حملة نابليون وحروب أمريكا: ذاكرة العرب المثقوبة ولا مطالبات بتعويضات!

الوجه الحقيقي للغازي البشع نابليون
خاضت أمريكا ثلاثة حروب خلال العقدين الماضيين حيث قتلت الالاف من الأبرياء ودمرت بلدين كاملين بحجة محاربة الارهاب واسقاط أنظمة مستبدة وتغيير العالم للافضل ونشر قيم الحرية والديمقراطية الغربية وغير ذلك من ذرائع وأكاذيب ومن جملتها حماية حقوق الانسان (أي انسان؟!)، ومنذ ذلك الحين والمنظرين الموالين (سواء كانوا عربا ام أجانب) يسعون لاظهار “الوجه البراق” لهذة الحروب الكارثيه تماما كالحملة الفرنسية على مصر والمشرق العربي، والتي حاول نابليون وجماعته تبييضها واظهارها وكأنها حدثا تاريخيا لنقل الحضارة ولتنوير شعوب هذة المنطقة الغافلة، وسنرى في هذه المقاربة أوجه الشبه والتطابق مابين ممارسات الوحشية الفرنسية حينئذ مع ممارسات الغزو والتنكيل والتعذيب الامريكيه (والاسرائيليه) التي حدثت تحديدا في العقدين الماضيين,واطلعنا عليها عن طريق الفضائيات والتقارير الصحفية وأقوال شهود العيان:
ان الامة التي أغرقت شعوب العالم في الدماء والدمار ومنذ أكثر من ستة عقود لا يمكن أن تصبح فجأة مسالمة عن طريق تغيير رئيسها والقاء الخطب الرنانة الواعدة، فالتغيير المنشود لا يحدث فقط بواسطة الكلمات والمبعوثين والادعاءات وانما بتغيير القناعات وبالجوهر وبابعاد ثقافية شاملة، وهذا مالا نلاحظه في ادارة ترامب الحالية (ومعظم أنظمة الغرب) التي يبدو انها ما زالت تستهتر بذكاء الشعوب العربية والاسلاميه.
وقد وجدت ضالتي في كتاب جيب صغير بعنوان “الحملة الفرنسية بين ألاسطوره والحقيقة”، وهو يسلط أضواء جديدة على تفاصيل الحملة الفرنسية، وتطرح المؤلفة (ليلى عنان)أسئلة ذكية: فلم يمكث نابليون نفسه في مصر الا أربعة عشر شهرا لا غير، ولم تستمر الحملة أكثر من ثلاث سنوات، وقد شغلت حيزا مهما في تاريخ مصر السياسي والاجتماعي الذي يمتد حضاريا لاكثر من عشرة الاف عام.
لقد سعى نابليون للتصرف بشكل اسطوري منذ بداية حملاته التوسعيه وفي ايطاليا تحديدا قبل مصر، وهناك جدل واسع حول حقيقة عبقريته الحربية ولكن الجميع يؤكد حقيقة عبقريته ألاعلاميه في زمن لم يكن يعرف”القرية العالميه” أو الفضائيات وتكنولوجيا الاتصالات. والخطابات التي كتبها فرنسوا برنوابيه (مدير مشغل ملابس الجيش الفرنسي) تعتبر بحق وثائق بالغة الاهمية وهي تنزع عن الحملة الفرنسية هالة العظمة وتظهرها على حقيقتها كغزوة استعمارية وحشية لا ينجو من شرها أحدا: فقد أمر نابليون باعدام الكلاب الضالة في القاهرة لازعاجها لة أثناء الليل و يسخر المؤرخ الجبرتي من ذلك قائلا ان الكلاب كانت تنبح وراء الفرنسيين لان لبسهم كان غاية في الغرابة!
واكثر ما أدهش كاتب الخطابات الفرنسي هو أن نابليون لم يهتم قط بتوفير مياه الشرب لجيشه….ومقابل حرق البدو لموظف فرنسي,ينتقم نابليون شر انتقام فيأمر باحراق القرية كاملة وذبح جميع سكانها، ثم حكم على جميع المواطنين بعد ثورة القاهرة بدفع غرامة مقدارها ثلاثة ملايين أوكتابة كمبيالات تدفع لاحقا.
وكان الفرنسيون يمارسون سياسة “الليمونة المعصورة” والتي تشبه لحد بعيد ممارسات اسرائيل في الضفة والقطاع، فكيف يكون التنوير هدف حملة افقار السكان وسرقة مواردهم المالية والحياتية…
وفيما كانت أجهزة الاعلام “البونابارتيه” تسعى لاظهار ما جلبتة الحملة للشعب العربي وشعوب المنطقة من خير وتنوير وحرية نرى أن الخصائص والوقائع تثبت أن المصريين عانوا من الاستعباد المخجل والظلم البشع، أما عن اكذوبة “السحر الجماهيري” الذي يحيط بشخصية نابليون فيمكن أن نلاحظه في الحادثة التالية: فبينما كان الجنرال يتجول مع اثنين من ضباطه,تجمع حولهم بعض الفلاحين، واعتقد الفرنسيين أول ألأمر أنة حب استطلاع، ثم اتضح أن الفلاحين فاجئوا الفرنسيين بالعصي وانهالوا على نابليون ورفاقه ضربا,فانهال الفرسان الفرنسيين عليهم بسيوفهم,وحكم على كل سكان القرية بالقتل وحرقت عن آخرها!
ويبدو أن “اكذوبة الاستقبال بالاحضان” قد استمرت في معظم الغزوات، فأحد الصحفيين الذين حضروا لمصر أثناء العدوان الثلاثي سنة 1956، قال أنه كان يظن أن المصريين سيستقبلونهم بالأحضان كما فعل أجدادهم أثناء الحملة الفرنسية…
وكذلك توقع الأمريكان أو توهموا بأنهم سيستقبلون بالورود والرياحين بعد احتلالهم لبغداد في العام 2003، ويقال كذلك أن الاسرائيليين توقعوا ذلك بعد غزوهم المؤقت لبيروت في العام 1982
وهكذا تستمر مشاهد القتل والاجرام في الحملة الفرنسية، فعندما تمكن الفرنسييون من الفرق المدافعة عن مدينة يافا بعد استبسال اسطوري، انتقموا شر انتقام بالقتل والذبح والحرق، ولم يتوقفوا الا عندما أعياهم التعب والجهد لكثرة ما قتلوا وذبحوا…
وغدر نابليون حينئذ بالف وخمسمائة مدافع عندما وعدهم بالابقاء على حياتهم اذا ما استسلموا، ثم قتلهم جميعا رميا بالرصاص.
ثم ارسلت بيانات استسلام لنابلس وللقدس ولبيت لحم وأريحا، ولكنها لم تهدىء من روع الشعب الذي سمع بمذابح يافا! وفي الطريق الى عكا قام الفرنسيون بسرقة الحيوانات واحراق المساكن، وتركوا المنطقة صورة “نموذجية” للخراب الوحشي.
وبينما تؤكد الحقائق أن جيش الحملة الفرنسية لم يكن الا جيش مرتزقة لا يهمه الا القتل والسلب والنهب، تقول “الاسطوره” التي رافقت الحملة الفرنسية أن الجيش الفرنسي جاء قاصدا تعليم الشعب المصري وشعوب المنطقة مبادىء الثورة والتنوير ولتحريره من سطوة المماليك وجبروتهم، ولنقارن هذه المقولة مع ادعاءات أمريكا ودول التحالف والخاصة بحجة تحرير العراق وأفغانستان من جبروت ودكتاتورية كل من صدام حسين والطالبان، وما حدث بعد الاحتلال من وقائع القتل والنهب والتدمير والاغتصاب…
وطغت بشاعة سلوكيات الجيش الفرنسي حتى لجأت الامهات المصريات لتشويه البنات الجميلات حتى لا يتم اغتصابهن من قبل الفرنسيين، بل أن بعض الفتيات الجميلات كن يلوثن اجسادهن بروث الحيوانات لكي يتجنبن الاغتصاب! ولقد عبر” دوبسبير” خير تعبير عن انسياق الثورة الفرنسية وراء نزوات الفتوحات فقال “يجب أن نعرف أن ما من أحد يحب هؤلاء المبشرين المسلحين! ويتطابق هذا الكلام لحد بعيد مع ما كتبة عام 1847 المفكر الفرنسي الكبير”أليكسي دي تونفيل” في تقريره عن استعمار الجزائر: “لقد انطفأ التنوير من حولنا، لقد جعلنا المجتمع المسلم أكثر بؤسا وأكثر فوضى وأكثر جهلا وأكثر وحشية مما كان قبل أن يعرفنا” ولكن أليس ذلك ما حدث تماما في كل من العراق وأفغانستان نتيجة للغزو الأمريكي الحضاري!
لقد اخذ نابليون من خزائن ايطاليا خمسين مليونا، أرسل منها للدولة عشرة ملايين فيما أنشأ بباقي المال الوفير ثلاثة جرائد تتغنى به وبعبقريته وانتصاراته الباهرة! وكانت بعض الجرائد توزع بالمجان على القراء في باريس، ولكن الحقائق ظهرت، ومن الصعب حصر الأموال الطائله التي انفقت بسخاء بغرض الترويج الاعلامي والفكري والثقافي للحروب الثلاثة لتضليل الرأي العام العالمي والشعوب العربية تحديدا، ومازلنا نتذكر أكاذيب “تون بلير” في هذا الصدد، ولكن شمس الحقيقة الساطعة أحرقت في النهاية “أطنان” الكذب والتضليل وأظهرت بشاعة الاحتلال وممارساته ألاجراميه…
أما الخلاصة التي نصل اليها من هذه المقاربة التاريخية فهي أن ديدن الغزو والاستعمار والاحتلال واحد في كل الأزمان والعصور وان اختلفت أدواته وظروفه، وأنه سينقضي في يوم ما الى غير رجعة، فيما ستبقى ذكريات ممارساته الوحشية وصمة عار على جبين المعتدين والغزاة، أما الشعوب فهي باقية في أرضها ترنو للحرية والكرامة، ساعية لبناء الحضارة والتقدم بهمة أبنائها وجهودهم الذاتية. وأعتقد أن المطلوب قرار استراتيجي جريء يفتح باب التعويضات عالميا، اسوة بتعويضات ألمانيا “المجزية” التي تدفقت على دولة الاحتلال الغاشمة “المزمنة” اسرائيل مع أن الاستعمار البريطاني المنحاز للصهاينة قد لعب دورا محوريا بتسليم مرافق “دولة فلسطين” كاملة في عصر الانتداب للمنظمات الصهيونية والوكالة اليهودية وبلا مطالبات وحسيب أو رقيب (مع كثرة القانونيين العرب والفلسطينيين الأفذاذ اللذين تخرجوا من الجامعات البريطانية وبعضهم يعمل مستقرا وصامتا في انجلترا) ، وكذلك ما ستدفعه ايطاليا لليبيا على مدى الخمسة والعشرين عاما القادمة (ان صحت مصداقية هذا الخبر)، علما بأن دول الناتو وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وايطاليا قد ساعدت على تقويض حكم القذافي ودفع ليبيا الغنية بالنفط لهاوية الاقتتال والفوضى اللاخلاقة:
فعلى الدول العربية والاسلامية التي تضررت من أذى الاستعمار والغزو والتآمر والاحتلال وأولهما فلسطين المحتلة ثم العرا ق وأفغانستان وسوريا وليبيا (وباقي الدول العربية) أن تتوافق وتطالب بدفع التعويضات المجزية من قبل الدول الغربية (الاستعمارية) وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وربما تركيا والدول الاقليمية الاخرى التي ساهمت وتساهم بتدمير سوريا وليبيا واليمن، وذلك بدلا من الفتات الذي يوزعونه تحت مسميات المساعدات والمعونات وبرامج التنمية والتطوير واغاثة اللاجئين في المخيمات، والذي يذهب معظمه هدرا في مشاريع فاشلة غير انتاجيه ويعزز ممارسات الفساد الخفية، ويتلقاه في أحيان كثيرة خبراءهم “المزيفين” أحيانا اللذين يعملون بمنظمات دولية برواتب خيالية، أوقد يصرف جزء كبير منه لأغراض الدعاية والتضليل الاعلامي وتمويل الصحف والفضائيات “الكاذبة!