الحملة التي شرع بها جهاز المخابرات في الأيام الأخيرة للكشف عن منتسبيه، أو مدّعي الانتساب إليه وإلى ديوان مجلس الوزراء وسواه من دواوين الدولة العليا من أجل الابتزاز ببيع مناصب رفيعة، هي حملة جيدة جداً ومتوجّبة للغاية، فالممارسة المستهدفة هي من الممارسات الخطيرة التي تفاقمت بمرور الأيام إلى ظاهرة في “العراق الجديد” (الإسلامي!)، قائمة منذ عهد الحكومات السابقة، وكثير من الناس، بمن فيهم إعلاميون وقادة رأي، تحدّثوا فيها بالصوت العالي، من دون فائدة حتى لخّيّل إلينا أنها ظاهرة قد وُجدت لتبقى بفعل فاعل أو فاعلين داخل الدولة وخارجها برغم أنوفنا.
الحملة جيدة ومتوجّبة في سبيل مكافحة الظاهرة أولاً، وجيدة ومتوجّبة أيضاً لأن من حقّ الناس أن يتعرّفوا إليها عن قرب بالتفاصيل في سبيل المساعدة في مواجهتها ومكافحتها.
لكن ثمّة ملاحظات عليها فما ظهر لنا حتى الآن في إطار الحملة عدد محدود من الأشخاص ( ثلاثة أو أربعة) يتحدثون من تلقاء أنفسهم فيما المفروض أن يجري توجيه الأسئلة الاستيضاحية التي تساعد أجوبتها في كشف الحقيقة وإعلام الناس بأساليب هؤلاء المجرمين في الابتزاز.
الشيء الآخر المهم ألّا يقتصر أمر الحملة على منتسبي جهاز واحد في الدولة، فنحن نعرف أنّ هنالك نظراء، وربما شركاء، لهم في سائر الوزارات والأجهزة الحكومية والنيابية والمحلية الأخرى، وأن ثمة مئة شكل وشكل للابتزاز.
هناك أيضاً بالفعل أشخاص يعملون في الدواوين العليا، وليسوا مجرّد مدّعين، ويستغلّون مواقعهم لبيع الوظائف والامتيازات وتسهيل المصالح .. هؤلاء جميعاً من اللّازم ملاحقتهم وكشفهم أيضاً، فالمكافحة لا يمكن لها أن تكون وأن تنجح إذ تقتصر على “ناس وناس”.
من المهم كذلك ألّا تنحصر الحملة في هؤلاء الأشخاص القائمين بالأفعال الجرمية مباشرة، فثمة مَنْ ساعدهم في الحصول على الوثائق اللازمة وثمة من ساعدهم في الوصول الى بعض “المقامات” الرسمية .. هؤلاء من الواجب فضحهم، فبخلاف هذا سنكون كمن يعالج الحمّى أو وجع الرأس بأخذ حبوب باراسيتومول عند الإصابة بالالتهاب من دون تناول دواء مضاد للالتهاب نفسه.