8 أبريل، 2024 8:04 م
Search
Close this search box.

حماية نسب آل الرسول ص بين القانون العراقي وثورة ال DNA

Facebook
Twitter
LinkedIn

سعى البعض إلى الانتساب زوراً للعرب ولقريش والهاشمين والعلويين وخاصة لنسب الرسول صلوات الله وسلامه عليه وكذلك للإمام علي بن أبي طالب وأبنائه عليهم السلام، لأسباب كثيرة لعل بعضها حب الجاه والمكانة والاحترام بين أفراد المجتمع، كذلك كان لحوادث كثيرة يذكرها التاريخ منها ما فعله الحجاج بن يوسف الثقفي (الحادثة المشهورة التي تسيد فيها بعض المجرمين واللصوص) ولموجات الاحتلالات التي تعرضت لها البلاد العربية والعراق والمنطقة من البويهيين والسلاجقة الأتراك والمغوليين وسيطرة الصفويين والمملوكين و العثمانيين والبريطانيين، أثرها البالغ في دسّ الأنساب المزورة وحذف صفحات مهمة من التاريخ والتراث العربي والهاشمي والعلوي واستبدالها بصفحات وشخصيات أجنبية، وبقيت حلقات تاريخية مجهولة، وتعيين حكام وأمراء ومشايخ موالين لتلك الحكومات والسياسات من قبل السلطة الحاكمة والدولة المحتلة.
وقد حاولتْ بعض الأنظمة المحلية للحد من هكذا تدخلات، ولكن لم تجد المعايير الحافظة للحقوق المسلوبة والأنساب المغيبة في هكذا قوانين، بل ربما تصبح عبئًا ثقيلًا ومانعًا للبحث والإنصاف خوفًا من القانون والعواقب.مثلًا عاقب المشرع العراقي بالسجن مدة لا تزيد على (٧) سبع سنوات والحبس مدة لا تقل عن (٣) ثلاث سنوات كل من نسب نفسه زوراً إلى نسب السادة من سلالة الإمام علي بن أبي طالب وذريته (عليهم السلام) أو دخل في شجرتهم أو التحق بغيره من عشائرهم أو انتحل ألقابهم أو أنسابهم وهو ليس منهم، وتصادر أمواله المنقولة وغير المنقولة.
هذا بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل ذي الرقم (٢٠٦) لسنة ٢٠٠٠. وواضح من خلال النص أن هذه الدعوى من دعاوى الحق العام التي تحرك بدون شكوى من المتضرر، أي بمجرد إخبار من أي مخبر، وبدليل نص المادة (٣) من هذا القرار (يمنح كل من أخبر عن إحدى الحالات المنصوص عليها في البند (أولًا) من هذا القرار مكافأة بنسبة (٥٠٪؜) خمسين من المئة من قيمة الأموال المصادرة.
ولكن لم يفتح التحقيق في الأنساب، والتاريخ والوثائق التي يمتلكها المدعي سواء أكان في الماضي أم في الوقت الحاضر، وكأنه أغفل وسد الباب عن البحث والتحقيق في الأنساب المشهورة وبلا وثائق أو أدلة قانونية أو تاريخية مهنية ووفق معايير العلم والمعرفة والاختصاص، بل أصبح حاميًا وأعطى الحصانة للبعض وضيق على البعض، هذا من وجهة نظر بعض المختصين في علم الأنساب الواسع الكبير (لقاء الاستاذ الباحث خلف الغياض الساير عضو الرابطة العراقية للتاريخ وتوثيق علم الأنساب) فالمعيار المعتمد لإثبات أن الشخص ينتسب إلى نسب السادة الهاشميين والعلويين أو إلى بقية البطون العربية الأخرى الواقع هو الاعتماد على المعيار التقليدي وهو اللجوء إلى أهل الخبرة والاختصاص بعلم الأنساب والتاريخ والتوثيق.
وعلم الأنساب علم يهتم بأنساب القبائل والعشائر والأسر ويسمى (عالم الأنساب) أو الباحث بالأنساب (نسابة) وهؤلاء النسابة والباحثون هم المعيار والضابطة لمعرفة أن شخص ما أو عائلة ينتمون حقيقة إلى تلك البطون والقبائل والعشائر. وفي الغالب يمتلكون الخبرة والأمانة والدقة، إذ عجز من يمتلك الأموال والواجهة أن يحصل على تأييدهم بالانتساب رغم أنّه يلقّب بالسيد اجتماعيًا، ولكن توجد هناك بعض السلبيات عند البعض وهي لا تصمد أمام التحقيق والتدقيق التاريخي الوثائقي المهني من أهل الاختصاص والخبرة.
وأمام هذا وذاك كان لثورة التطور العلمي كلمتها لما حقّقه فريق البرفسور الأمريكي يانيف ايرليتش (Yaniv Erlich) الأستاذ المشارك في علوم الكومبيوتر في جامعة كولمبيا، ورئيس قسم العلوم في (MyHeritage)، الذي يجمع في عمله بين علوم الكومبيتر وعلم الجينوم، ليضع لنا معيارًا علميًا في تحديد نسب الشخص والعائلة (العشيرة)
يقول البروفيسور Erlich في إحدى محاضراته عام ٢٠١٨ وهو يشرح عن أهم إنجازاته مع فريق عمل متخصص ببناء أكبر شجرة أنساب في العالم تتكون من ١٣٠٠٠٠٠٠ ثلاثة عشر مليون شخص تعود بالزمن إلى أكثر من ٦٠٠ عام، معتمدًا على علم الحمض النووي (DNA) وعلوم الكومبيوتر وملايين المتطوعيين بالاستعانة بفريق علماء الأنساب من خلال موقع خاص بعلم الأنساب يسمى(geni٠com). حيث يقوم الموثقون برفع شجرات عائلاتهم على الموقع ويقوم الموقع بدوره بفحص أقاربهم، فإذا حصل تطابق مع الأقارب يقوم الموقع بدمج الشجرة الجديدة مع الشجرة الموجودة في الموقع أصلًا، وبالتالي تتكون شجرات كبيرة تفوق القدرة الفردية لكل إنسان، وبتكرار هذه العملية بمرور الزمن مع ملايين من البشر فبالإمكان الاجتهاد وتكوين شجرة عائلية لكل البشرية، ويذكر البرفسور بواسطة هذا الموقع تمكنا من ربط (١٢٥) مليون شخصًا بشجرة عائلية واحدة ولا نستطيع رسم هذه الشجرة الآن على الشاشة التي أمامنا، لأن عدد البكسلات أقل من عدد الأشخاص.
ومن خلال هذه الشجرة أو الموقع أو الدراسة التي أثمرت بنتائج وثمار وقصص عديدة منها، أنها تمكننا من الرجوع بالزمن مئات السنين، فعلى سبيل المثال أن ألكسندر هاملتون والذي ولد عام ١٧٥٥ كان أول وزير مالية للولايات المتحدة، ولكنه اليوم معروف لدينا بسبب مسرحية موسيقية مشهورة في برودواي، وقد أكتشفنا أن لألكسندر قرابات اعمق في مجال الترفيه، إذ ثبت ارتباطه بصلة قرابة مباشرة ب (كيفن باكون) وكلاهما حفيدان لسيدة من اسكتلندا عاشت في القرن الثالث عشر، وعليه يمكننا القول أن لألكسندر هاملتون قرابة ٣٥ درجة من نسب كيفن باكون، وتحمل شجرة الأنساب هذه العديد من القصص المشابهة. كذلك أثمرت عن معلومات تخص علم السكان إذ مكنت من وضع خريطة مقسمة إلى طبقات تبين حدود العديد من بلدان العالم الغربي بناءً على تاريخ ميلاد أشخاص من ١٤٠٠ الى ١٩٠٠ وقورنت بالموجات المعروفة للهجرة وقد بيّن المقطع أن أعمق الأنساب في البيانات ترجع أصولها إلى المملكة المتحدة، حيث كان لديهم سجل أفضل لتنتشر بعد ذلك على طول طرق الاستعمار الغربي، ففي ١٤٩٢ كولمبس يبحر على المحيط الأزرق، ١٦٢٠ سفينة مايغلاور ترسو في ماساتشوستس، ١٦٥٢ هولندا تستعمر جنوب أفريقيا، ١٧٨٨ بدء النقل الجنائي البريطاني إلى استراليا، ١٨٣٦أول المهاجرين يستخدم طريق أوريجون. وبما أن موجات الهجرة هذه تبيّن السياق التاريخي للعائلات فإنّه يمكننا أن نطرح بعض التساؤلات مثل: ما هي المسافة النمطية بين أماكن ولادة الأزواج والزوجات إذ أن هذه المسافة تلعب دورًا محوريًا في علم السكان، لأنّ النمط الذي يهاجر فيه الناس لتكوين أسرهم يحدد كيفية انتشار الجينات في المناطق الجغرافية، وقد اكتشفنا أن الناس في الماضي يبسطون الأمور كونهم يكتفون بالزواج من قريتهم أو من قرية مجاورة، ولكن بعد الثورة الصناعية صارت الحياة أكثر تعقيدًا بوجود رحلات جوية غير مكلفة، صار بإمكان الشخص السفر مئات الكيلو مترات لإيجاد توأم الروح، وقد كشفت هذا الدراسة أن النساء خلال ٣٠٠ سنة الأخيرة هن من يتكبدن عناء الهجرة إلى مكان آخر لتكوين أسرهن، أما ثمار هذه الشجرة على صعيد مكافحة الإجرام فقد ادت إلى التعرف على أشهر قاتل في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بعد بحث مكتب التحقيقات الفدرالية عنه لمدة اربعين سنة، وكان مكتب التحقيقات يملك فقط حمضه النووي ولم يتم التعرف عليه مع أي قاعدة بيات أخرى للحمض النووي خاصة بالشرطة. ففي عام ٢٠١٧ أقترح مكتب التحقيقات الفيدرالية تسليم حمضه النووي إلى مصلحة الأنساب هذه، بعد أن استشار مكتب التحقيقات الفدرالية عالم أنساب من هذا الموقع، فما أن وضع حمضه النووي في هذه الشجرة عُثر على ابن عم له من الدرجة الثالثة ومن ثم تحديد عائلة وشجرة كبيرة وبمطابقة العينة مع فروع هذه الشجرة وجدوا ملفًا يتطابق تمامًا مع ما يعرفونه عن هذا القاتل ومن ثم تم إلقاء القبض عليه وإحالته إلى المحكمة، وكانت هذه الحادثة بداية لعمل علماء الأنساب مع أجهزة إنفاذ القانون بالولايات المتحدة الأمريكية، إذ ألقي القبض على العديد من المجرمين وحل لغز عشرين قضية جنائية معقدة خلال ستة أشهر باستخدام هذه التقنية.
إن هذه الدراسة بصورة خاصة وثورة ال DNA بصورة عامة تدحض ادعاء أصحاب نظرية التطور وأن الإنسان خلقته الطبيعة وتثبت لنا أن البشرية ترجع إلى أصل واحد أب وأم واحدة (ادم وحواء) كما جاء في الكتب السماوية والقرآن الكريم كقوله تعالى (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون) وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (الناس كلهم لآدم وآدم من تراب)، هذا ويتوجه العلم الحديث نحو مستقبل يجمع سكان الكرة الأرضية بشجرة واحدة وامتثالًا للواجب الشرعي والأخلاقي والوطني والأمني صار من الضروري تظافر جهود العلماء والمعنيين لاستثمار مثل هذه الدراسة والاستعانة بالعلوم الحديثة لوضع معيار ثابت يعتمد عليه في تحديد النسب الحقيقي لآل بيت الرسول الاطهار صلى الله عليه وآله وسلم كجزء يسير من الوفاء لهم بإبعاد المستأكلين والمنتفعين باسمهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب