23 ديسمبر، 2024 11:12 ص

يبدو أن سِمة الاعتدال في التفكيروالسلوك هي ابعد ماتكون عن العراقيين، حتى ان البعض منّا بات شبه مقتنع على اننا اقرب بكثير الى السلوك المتطرف منه الى الاعتدال.

البعض يرجع سبب ذلك الى التكوين الخَلقي،وكأن اصحاب هذا الرأي يقولون لنا بأن المسألة قدرية،ولاسبيل للخلاص منها،مهما مضت سفينة الحياة بالعراقيين وشقت بهم وبجهودهم عباب التخلف .

احيانا يداخلنا الشك فنضعف امام هذه الرأي عندما نجد المواقف المتطرفة يتكرر انتاجها،فتكشف عن بشاعتها جموع غفيرة من العراقيين وهم يعيدون انتاج مشهد تاريخي مازال مُختزَنا في ذاكرتهم الجمعية يبعث فيهم مشاعر الآسى والأسف والندم كلما استذكروه،فالمشهدُ يعاد انتاجه بنفس الصورة والتفاصيل والالوان،مشهد يحمل الينا الكثير من هواجس الفزع والخوف، ولايترك فينا ـــ ولو خيطا ضئيلا ـــ اي شعور بالاطمئنان على ماسيأتي في قادم الايام .

وانت تدقق في انفعالات ابطال المشهد،وهم يتوزعون في مساحة الصورة، يحيطون باجساد القتلى،ستجدهم يحملون التعابير ذاتها،والاشارات ذاتها، وستجد أمامك وجوهاً تشعر بفرح غامر وهي تقتل وتحرق وتنهب،وكأن الصورة نفسها تتكرر منذ عشرات السنين،بنفس المشهد والوجوه،ورغم أن القتلى غير القتلى،لكن لافرق هنا بين ملك قتيل مضرج بدمائه في باحة قصر الزهور لم يكن يحمل سلاحا بيده،وبين شيخ حافٍ طاعن في السن مضرج

بدمائه على رصيف في مدينة تكريت ـــ لم يكن هو الآخر يحمل سلاحا بيده ــ طاله رصاص المُحرِرِين بعد أن تقطعت به السبل،فلم يستطع النفاذ بجلده من ساحة المعركة فما كان إلاّ أن يُحسبَ في عداد الاعداء والخصوم المتطرفين !.

في ساعة الانتصار،وفي اللحظة التي ينبغي أن يكون فيها العراقيون اقوياء،مالذي يدعو الى أن تصيب الغيبوبة عقولهم،فتجدهم في لحظة ضعف تسحق فيهم انسانيتهم وتسرق منهم ثمرة نصرهم ومابذلوه من جهد وعرق ودم !؟

مالذي يدفعهم الى أن يعيدوا انتاج ماهو مُخزٍ من الافعال سبقهم إلى ارتكابها بعض اسلافهم،وهي افعال اقل مايقال عنها بأنها وحشية وبربرية ـــ مثلما حصل في ديالى والحويجة وتكريت ــ كالتمثيل بجثث القتلى وحرقها ونهب البيوت والممتلكات العامة والخاصة ؟

الاشد قسوة هنا،عندما تصدر هذه الافعال من قوات عسكرية حكومية اوميليشيا مدعومة من الدولة ترفع شعارات الدفاع عن الوطن والمواطن وهي تخوض معارك تحرير المدن من المتطرفين والارهابيين ! .

مالذي يجعلهم يرتكبون ــ ساعة انتصارهم على خصمهم ـــ حماقات لاتليق بطبعهم المتسم ــ في الظروف الطبيعية ـــ بالبساطة والطيبة والعفوية ؟

إلى متى سنبقى ندور في هذه الدائرة المغلقة،وكأننا محكوم علينا بأن نخلع الاعتدال من طبيعتنا البشرية لنستحيل وحوشاً حتى مع من هم ابناء جلدتنا ووطننا ؟