22 نوفمبر، 2024 11:06 م
Search
Close this search box.

حمادي الجبالي رجل دولة وإسلامي مستنير

حمادي الجبالي رجل دولة وإسلامي مستنير

سياسي من الطراز الأول ، لمع إسمه بعد حادثة إغتيال المعارض السياسي شكري بلعيد ، بعد أن تقلصت شعبية حركته الحاكمة (النهضة) وحملها خصومها أسباب الفشل في إدارة البلاد ، زادت شهرته حين دعا إلى تشكيل حكومة خبراء بدل حكومة الأحزاب السياسية التي لم تستطع ملامسة هموم التوانسة أمنيا وإقتصاديا .
جاءت حادثة إغتيال بلعيد كمؤشرعلى حدة الإستقطاب وغياب الأمن وضعف الخدمات واستشراء خطابات العنف وضعف الأجهزة الأمنية وتدني خبرة وكفاءة الكادر الوزاري والإداري الجديد .
حين لم يستطع إقناع الأحزاب المتغانمة على مغريات السلطة ، قدم استقالته من رئاسة الحكومة للرئيس التونسي (المرزوقي) وأعلن فشله وأعتذر من التوانسة ، راجيا لهم مستقبلا أفضل ، فبلغت شهرته الآفاق وأصبح اسمه على كل لسان .
يستقيل ويغادر كل هذه الأمجاد ويركل مشتهيات السلطة ويغيب بإرادته عن الساحة السياسية ، من المتتبعين من لم يستطع هضم هذا الموقف فزعم أنها لعبة يشترك بها مع حركته ليناور المعارضة العلمانية الشرسة .
( النهضة) التي عمل معها منذ عقود وغاب في السجن ستة عشر عاما من أجلها ، لم تستطع استيعاب دعوته لتشكيل حكومة الخبراء ، ووصفت فكرته على لسان زعيمها ( الغنوشي) انقلابا عليها ، وخرجت بمظاهرات حاشدة تندد به وبدعوته الغريبة .
ولد حمادي الجبالي سنة 1949م بسوسة ، سياسي ومهندس وصحفي ،أمين عام حركة النهضة التونسية  تم تكليفه لترؤس حكومته في 13 ديسمبر 2011 خلفا لحكومة الباجي قايد السبسي (2011) بعد فوز حركة النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي 2011قدم إستقالته يوم 19 فبراير 2013 من رئاسة الحكومة، بعد رفض الأغلبية المتمثلة في حركة النهضة و المؤتمر من أجل الجمهورية مبادرته بتشكيل حكومة تكنوقراط..
ولكن ماهي الخلفيات التي دعت الجبالي إلى طرح فكرة حكومة الخبراء ، ثم تقديم الإستقالة ، من الممكن ملاحظة مايأتي :
– الجبالي من إسلامي الداخل ، مهندس ، واقعي ، عاش بين التوانسة ولامس همومهم ، فأيقن بعد المضي في المتاهة السياسية بعد التغيير أن الحل في حكومة الخبراء.
– اسلامي مرن ، ينتمي لمنطقة جغرافية لطالما دفعت بقادة كبار للشأن التونسي العام .
– غلب الواقع على الإيدلوجيا ، ومصلحة الوطن على مصلحة الحركة .
– شعر بحدة الإستقطاب المفزع بين الإسلاميين التقليديين والعلمانيين الأشداء ، فدعا الى كلمة سواء ( حكومة الخبراء) ، للخروج من الترهل السياسي إلى الرشد الإداري.
–  ينظر للسياسة من زاوية رجل الدولة وليس القيادي في حركة النهضة الإسلامية.
– يؤمن بالتعايش في إطار وطن جامع.
– يمثل خط الإعتدال الذي يسعى للتخلص من تغول الخطاب المتشدد، أحدث هزة داخل حركته ، لأن فكرته ( حكومة الخبراء) واستقالته بعدها تعد بمثابة خطوة لتحييد خط التشدد في حركة النهضة.
–  رفض أن يتولى السلطة مجددا حين عرضت عليه بعد تقديم استقالته على مقاس الآخرين وليس على مقاسه .
ألقى الجبالي طوق النجاة للإسلاميين الذين لم يحسنوا استيعاب مواطنيهم وحاولوا الإستئثار بمغانم السلطة ، فبانت للداني والقاصي نقاط ضعفهم واضحة وقل مناصريهم بل وكرههم من انتخبوهم ، فجاء الجبالي ليثبت أن برعم الإصلاح المستنير لازال أخضرا لم تشعله الحرائق المتنوعة.
فكرة الجبالي واستقالته صرخة وسط عالم الأقزام أن نسل العمالقة مازال يتوالد ، وأن الأوطان أكبر من الأحزاب ، وأن المراهنين على عودة الوعي لن يخذلوا ، وأن فكرة التجسير بين العقلاء والحكماء لازالت قائمة رغم فداحة الضريبة المهولة التي تدفعها الأجيال .
الجبالي نموذج للخروج على التنظيمات السياسية الضيقة الى رحاب الوطن الكبير ، ومن التأرجح بين الخطابات الدعوية والطروحات السياسية المتصلبة إلى إتقان فنون الإدارة السياسية وتبني الأفكار المستنيرة التي تستوعب الحاضر.
 نرنو بوله ونترقب ذلك اليوم الذي يجتمع فيه العقلاء تحت خيمة الوطن لإبتكار حلول ترمم الحاضر وتستشرف المستقبل متخذة من الجبالي وأمثاله قدوات سياسية من أجل إدارة التنوع بفكر رحب وأداء رشيد.
إضاءة : هناك في حياة الأمم لحظات تاريخية ، لحظات صدق ( حمادي الجبالي من كلمته للشعب التونسي بعد استقالته).

أحدث المقالات