ثمة صراع او نزاع بين الشيعة والسنة في العراق. لنؤجل تسميته بالحرب الأهلية لانه ليس كذلك. نعترف بوجود قتل متبادل على مستوى منخفض بين متشددين من الجانبين. لم تصل هذه الدرجة من القتل الى مستوى حرب أهلية بينهما، اما القتل الجماعي الذي تنفذه القاعدة وأخواتها فهو حتى اللحظة ليس حربا اهلية بين الشيعة والسنة. لا تستبعد ان القاعدة ربما تحاول ان تربط بين المستويين من القتل وتشجيع الطرفين على ان يقتل بعضهما الآخر.
لنعترف اذن بوجود صراع سني شيعي في العراق. اسبابه محلية لكن لا يصح استبعاد دور العوامل الخارجية في تأجيجه. النجاح في حل الصراع بين الطرفين بسرعة يجنب العراق والمنطقة حربا اهلية عابرة للحدود قد تكون وشيكة.
نعرف محاور الصراع. نعرف على اي شيء يتصارع السنة والشيعة. وهذه المعرفة ضرورية للتمكن من حل الصراع. محاور الصراع الأساسية أربعة وهي: الدولة والسلطة والأرض والثروة. كل طرف يعتقد ان تحقيق مصالحه وضمانها في كل محور من هذه المحاورانما يتم اذا تحقق الاتفاق عليها بالطريقة التي يريدها. كل فريق يملك رؤية معينة للاتفاق. رؤية يراها ضامنة لمصالحه. ليست هذه الرؤى موحدة حتى الان. اقرأوا كل التفاصيل الأخرى ستجدونها مرتبطة بهذه المحاور بهذا الشكل او ذاك. انها انعكاسات المحاور الأربعة.
لكل طرف منظومة أهداف ورؤى حول هذه المحاور الأربعة. وكل طرف يسعى الى تحقيق أهدافه وتصوراته حول هذه الأهداف بطريقته الخاصة. حل الصراع يستلزم تحقيق أمرين: اولهما توحيد روية الطرفين للمحاور الأربعة. وهذا يتطلب تحقيق انسجام وتعشيق بينهما. والثاني الاتفاق على آلية موحدة ومحددة لتحقيق الأهداف. هناك متطلبات اخرى للنجاح مثل أبعاد التدخلات الخارجية وعدم استدعاء الخلاف التاريخي القديم بين الشيعة والسنة. لكن لا يمكن تحقيق اي من هذه المتطلبات دون تحقيق الأمرين الأوليين.
هذا الحديث بحاجة الى درجة كبيرة من الصراحة والواقعية، مقابل الغموض والرومانسية. الغموض يعني تجنب الحديث عن الاشياء كما هي، وعدم تسمية الاشياء باسمائها، والرومانسية تعني رفض الاعتراف بوجود نزاع بدرجة ما.
تتراوح حزمة الاهداف والتطلعات لكل جانب بين الدرجة العليا من غير الواقعية، الى الدرجة المقبولة من الواقعية. قد يكون طلب اقامة حكومة ولاية الفقيه من الجانب الشيعي طلبا غير واقعي بسبب وجود عدد كبير من السنة الذين لا يؤمنون اصلا بولاية الفقيه اضافة عدد اخر من الشيعة الذين لا يؤمنون بها، رغم انهم يؤمنون بالمرجعية الدينية الشيعية العليا. كما ان القول من قبل جانب السني بالعودة الى طريقة الحكم التي كانت قائمة في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الى يوم سقوط نظام صدام عام 2003 هدف غير واقعي. كما ان تدريس الرؤية السنية للتاريخ الاسلامي في كل مدارس العراق امر غير واقعي، مثله مثل تدريس الرؤية الشيعية للتاريخ في كل مدارس العراق.
يمكننا تصور ثلاثة مستويات للنزاع الشيعي السني هي:
المستوى الاول، الجانب العقائدي: لا فائدة من الدخول في محاولة حل النزاع العقائدي ومعه الفقهي، بل ان العقائد الدينية لا ينبغي لها ان تتحول الى موضوعا لنزاع بين مكونات المجتمع. فالديمقراطية والمدنية والتسامح امور كفيلة بابعاد العقائد عن دائرة الصراع السياسي والاجتماعي. وقد نجحت اوروبا في في ذلك بعد تجارب وحروب كثيرة كما هو معروف. يجب ان نوطن انفسنا على ذلك. فما يعتقده السني من امور الدين و الاسلام امر يخصه. وما يعتقده الشيعي من امور الدين و الاسلام امر يخصه. لا داعي لان يحاول كل طرف تسفيه ما يعتقده الاخر. ولا داعي لأن يحاول كل طرف اثبات صحة مدعاة عن طريق اثبات خطأ مدعى الطرف الاخر. بل يمكن ان شئتم البحث عن مشتركات وهي كثيرة. وان شئتم ترك الامر برمته وعدم الخوض فيه اصلا.
المستوى الثاني، الجانب التاريخي: هذا مثل الاول، لا معنى لتحويله الى نزاع سياسي واجتماعي. لكل من الشيعي والسني نظرته الى احداث التاريخ منذ بعثة النبي محمد. وثمة خلاف واختلاف في هذه النظرة. وليس من المهم ان يبرهن كل طرف للطرف الاخر ان نظرته صحيحة، وان نظرة الاخر خطأ. افضل ما يمكن قوله في هذا المجال ان نردد مع القران الكريم:”تلك امة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.” نعم قد يرغب كل طرف ان يعلم ابناءه رؤيته للتاريخ في المدرسة. يمكن ان يكون ذلك عبر الية تحفظ للبلد وحده وللمجتمع اندماجه. ويمكن ايضا استذكار المواقف التوحيدية لشخوص ذلك التاريخ التي يقرأها، الان، كل طرف بطريقة مختلفة عن طريقة الطرف الثاني.
المستوى الثالث، الجانب السياسي: هذا هو موضوع الكلام الرئيسي، وهذا هو سبب التوترات التي نعيشها الان. ومعنى النزاع حول الدولة والسلطة والارض والثروة.
اهداف كل طرف بشأن هذه المحاور الاربعة بعضها خاص به، وبعضها مشترك بينه وبين الاخر. من الصحيح ان نقول ان الحل لا يتحقق اذا اصر كل طرف على حزمة اهدافه الخاصة. على الطرفين ان يتوصلا اى اتفاق على حزمة اهداف مشتركة. الامن، مثلا، هدف مشترك يمكن الاتفاق عليه. وكذلك تحقيق الدرجة الدنيا المعقولة من الرفاه الاجتماعي. وهذا يمكن الاتفاق عليه ايضا.
اما الاهداف غير المشتركة فيمكن تقسميها الى قسمين:
القسم الاول، اهداف غير معقولة/غير ممكنة. وهذه على عقلاء الطرفين ان يدركوا استحالة الاتفاق عليها. بل لا جدوى من التمسك بها.
والقسم الثاني، اهداف معقولة وممكنة. وهذه يمكن العمل عليها كل في منطقته.
يحتاج عقلاء الطرفين الى الجلوس معا من اجل رسم خارطة الطريق حول هذه الاهداف وكيفية تحقيقها.
الحوار وحده هو الذي يوصل الطرفين الى الاتفاق، اما القتال فليس سوى طريق لمزيد من سفك الدماء وجعل الحلول السياسية اكثر صعوبة.