23 ديسمبر، 2024 2:57 م

حل العيد … سيموت الفقراء غيضا

حل العيد … سيموت الفقراء غيضا

تتهيأ العوائل لاستقبال عيد الفطر المبارك، فتزدحم الاسواق وتكتظ المحال بالناس والبضائع الجميلة، تتحقق اماني البعض ومتطلباتهم في هذه المناسبة، ويبدأ اولاد الميسورين تحضير احتياجتهم وتسجيلها، رغم ان دولايب ملابسهم تضج بالغالي والجميل والجديد، بعض العوائل الاخرى تتهيأ للسفر يعيشون حيرة ما بعدها حيرة، سفرة الى كردستان ام زيارة احدى المحافظات لرؤية الاقارب او ربما سفرة خارج العراق تركيا مثلا او مصر، وربما ماليزيا فهي لا تكلف كثيرا غير بضعة الاف من الدولارات.
احمد مهندس النفط وزوجته الموظفة في وزارة الكهرباء وابنائهم هباوي وعموري، قرروا الحجز في مكتب للسفر بغية الذهاب الى تركيا، واحمد مندهش من سعر التذكرة فهي فقط بـ (1000) دولار للشخص الواحد، الاغرب من ذلك ان المبلغ يشمل الفندق ووجبة الفطور وبرنامج اعدته الشركة لزيارة الاماكن السياحية المعروفة في محافظات تركيا، جاء قرارهم بعد حيرة وتفكير ودراسة ولم يأتي اعتباطا، ام هباوي اشترطت على احمد عدم الطبخ وستلجأ العائلة الى الاكل في المطاعم الى درجة انها اتفقت مع العائلة ان لا ترى المطبخ طوال مدة السفرة، والجميع امتثل لذلك خصوصا وان المطاعم رخيصة والاكل لذيذ طيب.
عائلة جمال مدير عام في احد الوزارات العراقية اختلف جذريا عن عائلة احمد الموظف، فقد قام جمال ابن احد القرى الريفية في جنوب العراق والذي ودع تلك الحياة بعد ان بسطت الدنيا له اليد تمكن من الانتقال الى العاصمة بغداد واشترى منزلا في احد مناطقها الراقية جدا، وجمال هذا كان قد استفاد من علاقته بأحد المسؤولين البارزين، الذي ساعده في الحصول على الوظيفة والوصول لهذا المنصب المهم، عائلته كثيرا من العائلة الاولى فلديه ولدين وبنتين فضلا عن زوجته، قد اختلف بمنهجه واستعان بشقيق زوجته وارسل عائلته الى ماليزيا على امل اللحاق بهم باقرب فرصة، ومثل جمال ينطبق عليه مقولة البطون التي جاعت ثم شبعت، فهو لا يريد التفريط بيوم اجازة، لان الايام لديه تعني كسب الملايين وربما المليارات.
ام سعدي جارتي اكثر ما تفعله الصلاة والعبادة ولو كانت عبادتها وصلاتها لجبل لاستحى وخجل وخر لها ساجدا ملبيا، تسكن بقايا بيت سقوفه من (الجندل) وابوابه من الخرق اعتقدت مرة انها ليست كباقي النساء لانها تلد كل شهر توأما، ابو سعدي يعمل فراشا في احدى الوزارات قد تكون نفس الوزارة التي يعمل بها جمال، يعمل بصيغة عقد ينقاضى150 الف دينار، سألته مرة بأن الناس بين ذاهب وقادم يتسارعون لشراء الجديد، فاجابني: ان الله يرى ويسمع، فقلت له الناس تسافر يا ابا سعدي، فاجاب: كلنا سنسافر يوما ما، تشعر في جوابه اليأس وعدم القدرة، بت ليلتي فصحوت على صراخ وعويل اطفالا تبكي، سمر الوجوه تعلوهم علامات الفقر الحقيرة الذليلة(هم اولاد ابو سعدي) فعرفت دونما سؤال بان هناك من فارق الحياة واذا به الرجل الشاب الذي طالما حسده الجيران لصبره وقوته وايمانه، كيف يموت ولما يشد الحزن راحلته دوما الى مثل هكذا بيوت، تقلبت في ذهني صور جمال الحرامي واحمد الذي يفكر في قضاء عطلة الصيف في تركيا وام هباوي التي اشترطت عدم الطبخ للقبول في السفر، الاطفال يبكون وام سعدي تندب حظها العاثر، وانا ابحث عن وجه الله، اي رب لما كل تلك القسوة، رحماك، قد اعتادوا الفقر والحرمان والذل والاهانة أخلت قدرتك الا من هذا المسكين الذي يعيل عائلة من سبعة افراد كلهم اطفال؟ كان يعتقد (رحمه الله) بانه يخلفهم لحكمة وفلسفة غبية، عله يجد من بينهم حين يكبرون من ينتشل فقره وجوعه، دفعني فضولي لمعرفة ما جعله يقضي، واحسست فيما بعد بانها حرقة الوجع والالم فالعيد على الابواب وعيونه ترقب ابناء جمال وعائلة احمد التي يلبي لها القدر ما تريد، وهوعاجز يحيطه الدين من اطرافه الاربعة، ربما اراد الله رحمته فقبض روحه، وبقت عائلته تعاني وتكمل معاناة ابو سعدي، لتبدأ قصص ألم جديدة وذل واهانة من نوع يشبه الى حد بعيد ما كان يعيشه ابو سعدي، يا عيد اذهب بعيدا الى اهل القصور والى الميسورين فلا مكان لديك بيننا نحن الفقراء.