لا أحاول سرد أحداث قد جرت بالأمس القريب كل الجيل العراقي الحالي هو الفاعل الأساسي فيها وصانعها ولكن أحاول مع القارئ الكريم أن نستذكر مجرياتها وانحدارها باتجاهات كانت محصلتها ما نعاني منه اليوم فكلنا نعرف إن التظاهرات في العراق انطلقت في بداياتها قبل ما يقارب العام من محافظة البصرة وقد حاول من نظمها إيصال صوته إلى الحكومات المحلية والاتحادية بالاحتجاج على نقص الخدمات وخصوصا الكهرباء وقد رحب بها السيد حيدر ألعبادي رئيس مجلس الوزراء حينها وقال ما معناه إنها إشارة أو دلالة أو ناقوس لتنبيه الحكومة على نقاط التقصير التي قد أغفلتها لسبب أو لآخر وهي ظاهرة صحية لتتمكن الدولة بكل مفاصلها من تجاوزها وقد انتقلت تلك التظاهرات بطرق مقصودة أو غير مقصودة لتعم محافظات وقصبات الوسط والجنوب بأكملها صغيرها وكبيرها وريفها وحضرها وقد اختلفت حدتها في مدينة عنها في أخرى كما اختلفت مطالب المتظاهرين وتباينت بين الشخصي والمحلي والعام فتظاهر من خاصمه جاره إلى جانب من يطالب بإقالة المحافظ أو احد المسئولين أو كادر مؤسسة ما بأكملها إلى حل جهاز إداري أو تشريعي مع من يطالب بتغيير هذا الوزير أو ذاك وارتفعت أصوات من يطالب بإجراء محاكمات لأشخاص حددهم حسب تقييمه لأدائهم كما ظهر من يطالب بحل مجلس النواب وأخرى لها مطالب كثيرة جدا وظهرت صور متعددة وطرق للتظاهر.
نهاية العام الماضي 2015 بدأ انهيار ملحوظ وتدني لأسعار النفط الذي يعتمده العراق مصدرا أساسيا والعمود الفقري لاقتصاده وهو ذات التوقيت الذي تقدم فيه الدولة العراقية ميزانيتها للعام الجديد 2016 فاخذ من يوجه التظاهرات من خلف الكواليس بإدارة دفتها باتجاه آخر ربط فيه بين الميزانية ومحاولات التسقيط السياسي للشخوص التي من المفترض أن تكون عامة لأنها تمثل القيادات الفاعلة في الساحة السياسية العراقية وعلت أصوات تطالب بحق يراد به حق أو باطل في مقابل يشبه اللامبالاة للحكومة وانعدام المعالجات لان التظاهرات أصبحت غير مؤثرة لاقتصارها على يوم الجمعة من كل أسبوع .
المرجعية الدينية الرشيدة كانت حاضرة في مواكبة تطور الأحداث فكانت الأب الحنون الحريص على جمع شمل عائلته والساعي إلى الحفاظ على الجميع والموجه والناصح حتى بلغ بها الحد بعد أن سدت آذان المسئولين عن الاستجابة إلى الاكتفاء بالمراقبة والتلميح إلى الحكومة من خلال طرح توجيهات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى عماله على الأقاليم إبان فترة حكمه في ربط ذكي يفهمه كل ذي لب من أركان سلطة اليوم التنفيذية صاحبة اليد الأطول والفصل في الفعل والقول وهو ما يعتبر حث للجميع على الابتعاد الاصطدام ونبذ الخلافات البينية وسرقة المال العام وهو توجيه نموذجي واضح بطريقة إدارة الدولة وحسن التعامل مع رعيتها الشعب العراقي الذي لا حول ولا قوة له غير المطالبة السلمية بتحسين حاله ألمعاشي .
إلى هذا الحد والمواطن العراقي مستمر بما يمليه عليه واجب المواطنة الصالحة كل بحسب ما يمكنه في صد أبشع عدوان لأقذر عصابة تدعي الإسلام فكل الشعب العراقي هب لتلبية نداء المرجعية ومقاومة عدوان مجرمي داعش بالتضحية بالنفس والولد أو المال أو بقلبه ودعواته إلى الله بالنصر وهذا اضعف الإيمان يقابل ذلك عجز حكومي واضح وتقصير سببه اختلاف وجهات النظر بين الساسة في طريقة معالجة الأزمات حتى دخلنا جميعا في نفق مظلم إذا لم يشترك الجميع في إنارته فسوف نصل لا سامح الله إلى ما لا تحمد عقباه .
نجحت التظاهرات في تحقيق بعض مطالبها ولكن ما إن نخرج من أزمة حتى نجد أنفسنا نخوض في وحل أزمة أعمق لا احد يعرف كيف دخلنا فيها ولا نملك طريق واضحة للخروج منها وكمعالجة لتدهور أسعار النفط والأزمة الاقتصادية وبدلا من تحسين دخل المواطن ذهبت الدولة إلى تخفيض رواتب الموظفين بل وشملت الاستقطاعات حتى المتقاعدين بعد أن امتدت يد الدولة إلى صندوق أموالهم المعزول والذي لا شأن له بالموازنة أو التصدير أو أي شيء آخر وتوقفت المشاريع الخدمية وهرب الاستثمار من البلد حتى أصبحت حركة العمل والاعمار مشلولة تماما وفرضت وزارات الحكومة ضرائب لم يعرف لها الشعب العراقي مثيلا إلا في أيام الاحتلال العثماني بينما وبشكل يومي يبيع البنك المركزي ملايين العملات الأجنبية ولا احد يبرر للمواطن أين تذهب عائدات النفط يقابل ذلك عدم محاسبة للمقصرين والعابثين بمقدرات هذا الشعب الذي أعلن التفافه وإسناده للسيد حيدر ألعبادي في اتخاذ ما يراه مناسبا لإصلاح الأجهزة الإدارية بشكل لم يحصل لأحد في تاريخ العراق المعاصر حتى وصلنا إلى نقطة القطيعة واللاعودة التي توضحت الآن من خلال ما طرحه السيد مقتدى الصدر كقائد يمتلك مساحة شعبية مهمة مسئول شرعا عن تحقيق أهدافها ومن خلال ما يبدو انه متمسك به نجح في شد الشارع العراقي وحتى من غير أتباعه وباتت الأوضاع اشد خطورة بعد دخول طلبة الجامعات على خط التظاهرات ودخول فكرة الاعتصامات أمام المنطقة الخضراء وبعض المفاصل المهمة حيز التنفيذ.
إن من المؤسف أن نرى حالنا بهذا الشكل المبكي لتقاطع ساستنا الذي نختلف فيه عن كل شعوب الأرض حيث تتوحد زعاماتها مع قواعدها أمام ظهور عدو فما بالك ونحن أمام اخطر سرطان دولي خبيث هو عصابة داعش القذرة وهي لا تستهدف شريحة معينة بل هي تسعى إلى إبادة الشعب العراقي بكل أطيافه بل وتسعى حتى إلى محو تاريخنا وقطع كل صلاتنا مع أرضنا وبهذا فإننا نشتت جهودنا في مقاومتها والتخلص منها بالترادف مع أزمات بكل الاتجاهات لا يبدو إن الأفق يحمل ما يبشر بحلها .
لا يعيب المرء كقائد سياسي أو إداري أن يفشل في انجاز مشروع ما لأي سبب بقدر ما يعيبه التمسك بموقفه الذي أدى به إلى الفشل ولا يعيبه انه يحاول التعلم والاستفادة من خبرات الآخرين للوصول إلى الأحسن والأمانة تفرض عليه أن يساعد من هو اقدر منه على عبور شعبه إلى ضفة الأمان وانجاز التطور الأمثل وأرحام أمهاتنا العراقيات قد أنجبت رجالا الأشد بأسا على الأعداء وهم يدافعون عن حياض الوطن ومقدساته الطاهرة وشرف العراقيات بصدور عارية وإمكانيات تسليحية غير متكافئة من دون مقابل ولا بأس على أصحاب الحل والعقد اليوم من الساسة أن يعيدوا ثقة المواطن بهم إليه أي إن التاريخ سيسجل نقطة ايجابية للمسئولين العراقيين أنهم اعترفوا بفشلهم وعدم إمكانيتهم إلى الوصول بناخبيهم إلى ما ينشدون وهذا هو الحال الطبيعي للحكم الديمقراطي وبذلك فان السعي لانتخابات مبكرة وإفساح المجال للجميع شيبا وشبابا بالمشاركة فيها في نفس الوقت الذي يعمل الجميع على تغير بعض بنود الدستور التي كانت حجر عثرة بدلا من القفز عليها ومخالفتها سيكون الحل الأمثل للازمة السياسية العراقية الحالية وهو المفتاح الحقيقي للعقدة السياسة وبهذا سنتجاوز ما قد لا تحمد عقباه .
حفظ الله العراق والعراقيين بلطفه وحفظه لكل قطرة دم وجنبنا شر من يتعامل بخبث وسوء نية ومن كيد الكائدين.