رفاهية الشعوب وإسعادها لن تكلف الحكومات أو ترهق ميزانيتها، وخطط التنمية بها، وتعرقل مسيرتها بتحميلها الكثير من الأعباء كما يعتقد البعض وإنما تعود بالنفع عليها.
وجوه مرهقة وعيون زائغة وحديث نفس وعقل لا يتوقف عن التفكير في مشاكل الصغار وتدبير شؤون البيت، نساء تصطدم بهن عينيك في كل مكان، ورجال باتوا يحلمون بساعات “إنفصال” عن العالم الخارجي، تراهم في البيوت، العمل، الشوارع، النوادي الرياضية، حتى المواصلات العامة، وفي السيارات الخاصة، تلك الملامح لا تنحصر في فئة عمرية ما ولا شريحة إجتماعية معينة، ولكنها مشاعر وملامح موزعة بالمجان على كثير من نساء ورجال فقدوا معنى السعادة ويخفون حزناً دفيناً. اتفق بعض الأصدقاء معي على ازدياد وتيرة هذه الملامح المكتئبة، والحاجبين المقتضبين، المعقودين بإحكام، الوجوم المدفون في قلوب أرهقها الوجع، وأرجعها البعض إلى ظروف اجتماعية وقسوة حياة أو شظف عيش، أو حالة نفسية غريبة يمر بها كثيرون.
أواه، وياللعجب، الشعب المصري مصدر البسمة والفكاهة، الشعب الموصوف بأنه “إبن نكتة”، أصبح في مسيس الحاجة إلى من يقرضه ابتسامة خفيفة تضفي بعضاً من راحة نفس، أو يعيش سعادة حقيقية.
لدي ولدى الكثير من أبناء وطني حلم “خيالي” بإنشاء وزارة للسعادة لعلها تسهم في علاج اكتئاب جمعي أصاب كثيرين جراء ضغوط حياتية. وزارة تبحث عن مواءمة خططها لإسعاد ورفاهية شعبها، لا وضع مزيد من الضغوط والأعباء تثقل أكتافهم وتحرمهم هناء المعيشة.
كيف وصل الحال بمصريين لا تحمل ملامحهم غير البشاشة والحبور والاحتفاء بالأخر الى ما وصلت إليه، وألسن كانت تلهج بذكر الله ثم تتمتم بالدعاء للأبناء وصلاح أحوال البلاد، الى ملامح صخرية جامدة، وجليدية باردة جافة.
وزارة السعادة الإماراتية أسالت لعابي ولعاب الكثير من أبناء الوطن وأيقظت حلما وليدا من نعاسه، فهذه الدولة التي أقبلت على إنشاء وزارة للسعادة واستحدثت هذا المنصب الذي أراه رائعاً بجعل مسؤول حكومي رفيع المستوى يعمل من أجل مهمة واحدة وهى مواءمة كافة خطط الدولة وبرامجها وسياستها لتحقيق سعادة ورفاهية الشعب والمجتمع وتنميته، هي دولة تحترم “نفسية” مواطنيها وتتحسس رفاهيتهم فضلاً عن عيشهم الكريم المتحقق على أرض الواقع، لن أتحدث عن تمكين المرأة الذي قطعت فيه دولة الإمارات العربية الشقيقة شوطا كبيراً اجتماعيا وإقتصادياً وتبوؤها هذه المناصب السياسية الرفيعة، وتعزيز فرصها على المستوى القيادي، ومنحها الثقة للتميز والصدوح عالياً، على أهمية كل هذا.
أستحسن هذه الخطوة كثيراً والتي تعتبر عدواً سريعاً على طريق إفساح المجال للنساء، عوضاً عن تعطيل تمارسه دول وحكومات عربية أخرى لنساء منجزات على كافة المستويات و”الحبو” بطيئاً في مسألة التمكين تلك، حتى أنهن يلهثن وراء حقوقهن ولا يتحصلن عليها إلا كصدقة يتبعها منّ وأذى.
أستحسن الفعل بالكلية وخاصة كون الوزارة معنية بالسعادة وأرجو أن تسري عدوى السعادة لكافة الدول العربية، خاصة تلك التي عصفت بأمنها رياح الربيع العربي، وجلّها وليست كلها ضاع منها معنى السعادة الحقيقية.
الحدث لم يعد جديداً خاصة بعد مرور عام عليه، ولكن الحديث موصول دائماً عن إمكانية تصدير الحكومات السعادة لشعوبها وإضفاء لمسات الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، والعيش الكريم وإسباغ المزيد من الفرص عليهم.
رفاهية الشعوب وإسعادها لن تكلف الحكومات أو ترهق ميزانيتها، وخطط التنمية بها، وتعرقل مسيرتها بتحميلها الكثير من الأعباء كما يعتقد البعض وإنما تعود بالنفع عليها، حين يشعر المواطن بالتحقق والتمكين والإشباع والسعادة في وطنه لن يتركه، لن تفرغ الأوطان من أبنائها، ولن نبكي أبناءنا النابغين في الخارج وبلادنا بلا عقول متجددة، لن نسمع كلمات رنانة من عيّنة “الطيور المهاجرة، والأعشاش الخاوية”.
نقلا عن العرب