ايعقل ان يغيب ذلك الوجه عن وجع المخيلة المسكونة بالصدمات،،بعد سبع عشرة سنة من الوجيعة،،عمر الغياب الذي بدد وجهها في غيابة اللهب الذي اكل طفولتها،،ولاجل ماذا؟؟لاجل رغبات شيطانية حكمت عليها بالزواج،،بالاكراه،،اولئك الذين هزوا جذع النخلة الفتية لقلعها من بستان الطفولة وزرعها في الارض البور نفسها التي زرعوا فيها ست البنات اختها الكبيرة،،
باسقة كانت تضاحك الشمس والماء والهواء،،بفم عذب الشفتين رقيق،،لم تخرج منه يوما كلمة سوء،،
كانت كانما لم تكن للدنيا ورذيلة العيش في عالم موحش بارد كقضبان السجن الذي حكم عليه ان يقبع فيه بتهمة البراءة في محكمة العهر الوطني،،
اخته الصغيرة ورفيقة اللعب الاثيرة الى نفسه،،هما كانهما توامين تشاركا صفة البياض والطول الفارع الذي يطرق شبابيك السماء في عائلة من متوسطي الطول،،لاب اسمر قصير القامة محبوب الدم وام قصيرة فارطة البياض كحمامة محجلة،،
انى له في غيابة السجن الا يتذكر،،والذكريات زاد السجين الذي لا نهاية لمأساته تلوح في افق الانتظار الطويل،،
شحوب وجهه وعظامه الناتئة والجسد الذي ضاع في ثوب السجن الخشن المهتريء صفعة على خد الوطن الناكر للجميل الفاقد لذاكرة الوفاء لاهله الذين ماتوا افواجا في سبيله ،،وسجنوا افواجا لعينيه التي عميت عن مآسيهم،،
،لا يمنعه ذلك الوهن من التذكر،،وهذه الليلة كانت دلال سيدة الصور التي تخرج من صناديق الذكرى،،كندفة ثلج خفيفة تتطاير تحت جنح ليلة شتوية طويلة،،
جميلة كانت،،رقيقة،،ضاحكة يبتسم لها الطير والشجر والماء وقلوب الاطفال،،
تذكر العابهما البسيطة في باحة الدار وتحت شجرة الزيتون وهما يجمعان ما يقع من ثمرها المر،،وحبات البرتقال الاخضر التي كانا يخبئان قشورها في ثقوب الحيطان لكي لا تراها امهما،،
كانت الدنيا على وحشتها صغيرة بحجم القلوب الصغيرة،،
تذكر صورتها التي يحتفظ بها في جيب محفظته ،،تلك التي صادرها الجنود حين امسكوا به في ذلك الصباح الاسود الذي غادر فيه البيت بعد ان يئس من انتهاء القتال في المنطقة التي يسكن فيها،،ابى الا البقاء رفقة الحيطان والصور والزوايا الدافئة في البيت الذي غادره اهله بسبب القصف والمعارك،،وهاهو اليوم يعيش متنقلا بين الحيطان الغريبة للسجون والمحاجر التي تضم الاف الارواح التي لا تعرف لماذا اقتيدت من الشوارع في وقت يتمرس فيه الارهابيون خلف القانون محميين بقوة الدولار،،والصفقات في وطن يباع فيه الشرف على ارصفة العوز والظلم،،
تذكرها الليلة،،وجاءته كانما تربت على اكتافه المتعبة تداعب شروده الذي لا يفارقه ،،
تذكر كفيها المخضبتين دوما بالحناء التي يكرهها بشكل فطري،،الا انه لم يقل لها يوما ان كفيها الصغيرين كانا يزدادان جمالا والقا في نقش الحناء الذي تهواه،،
تلك التي كانت تنافسه على الامساك بحافات الابواب وهما يتسابقان كلما وجدت الاقدام الصغيرة متسعا من المسافة للركض،،يوزعان الضحكات الطفولية على مساحة وجودهما المترابط بحكم كونهما اخر العنقود الذي انفرط شيئا فشيئا،،
حتى حين قرر ان يختار شريكة حياته ارادها تشبهها طولا وابتسامة وملامح،،وابى ان يسمي ابنته البكر على اسمها لكي تظل نسخة واحدة وحسب منها،،
جاءته بين الغفو وبين الصحو كحلم يقظة جميل،،لا يريد ان يفتح عينيه المثقلتين بالصور،،لايريد مغادرة الحلم الجميل،،فالاحلام هي كل ما يملك في وحشة الزنزانة الباردة،،،تبسمت ومدت يدها المخضبة بالحناء،، مسحت على راسه،،شعر بان السنوات التي ضاعت في المعتقل قد تبددت باحزانها وخوفها وقلقها وخوائها،،
– لا تضعف،،
جاءه الصوت الطفولي بنبرة الدفء الذي افتقده،،
– ستعود الى عالمك،،ستعود لاطفالك،،ستعود،،
حرك شفتيه ببطء،،متمتما،،،،متى،،ولا مخرج،،
-حين تستيقظ من الحلم،،
ابتسمت وتبددت صورتها في مخيلة الحلم،،
ضوء خافت من شعاع الشمس الذي تسلل من نافذة الزنزانة غسل وجهه،،فتح عينيه،،تلفت يمنة ويسرة،،كان مجرد حلم جميل آخر،،احس بالدفء،،بالاطمئنان ،بان صباحا ما سياتي،،وعيناه تفتحان في بيته،،،،يوما ما سياتي مهما طال امد الفراق،،ومهما طال عمر الظلم،،لانه سينتهي،،عاجلا ام آجلا،،فلكل شيء نهاية،،سيهزم ابدية الظلم الوقح،،سيعود،،رمثل حلم ياتي حين لا تخطط له،،حين تنتظره وتدرك انه سياتي حتما،،في اخر المطاف،،