21 أبريل، 2024 11:07 م
Search
Close this search box.

حلم الله وحكاية اللص؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

أعتاد رجل دين (سيد) في كل عام من شهر محرم الحرام أن يذهب الى القرى المجاورة لقريته ليحيي ذكرى أستشهاد الأمام الحسين ع بالقراءات الحسينية. وكان أهالي القرية ينتظرونه بفارغ الصبر. وكان السيد يمتاز بصوت رخيم فيه نبرة حزن تأسر القلوب أضافة الى ما يمتلكه من ثقافة دينية جيدة. وفي ختام اليوم العاشر من عاشوراء يكرمه أهل القرية بالعطايا من زيت وسكر وشاي وطحين وأشياء أخرى عينية كأجور مقابل تلك القراءات الحسينية (العزيات) كما تسمى، ويودعونه بمثل ما يستقبلونه بكل حفاوة وتقدير. وصادف في أحد المرات وبعد أنتهاء مناسبة عاشوراء وهو في طريق عودته الى قريته أن يقطع طريقه أحد اللصوص!، قائلا للسيد : سيدنا عندي لك سؤال هلا أجبتني عليه؟ فأجابه السيد بكل ثقة وطيبة وبراءة، سل ما عندك يا ولدي، فقال له اللص: سيدنا كم يطول حلم الله على السارق والقاتل والجاني والزاني والمغتصب لحقوق الناس وآكل السحت الحرام، حتى يظهر عقابه وجزاءه له؟ فأجابه السيد: أن حلم الله بألف عام يا ولدي. فلم يعجب اللص جواب السيد على سؤاله؟، وظن أن السيد يسخر من سؤاله ويستهزء به أو يكذب عليه!؟. فرد اللص بعد أن خزر السيد بنظرة غضب لا تخلو من وعيد وتهديد قائلا: أتراني طفلا حتى تكذب علي! فأجابه السيد وبشيء من الأرتباك بعد أن رأى الشر يتطاير من عينيه، أبني هذا على حد علمي ومعرفتي. ولكن السيد بنفس الوقت أدرك سوء نية اللص وما يضمره فأراد أن يخلص نفسه من هذه الورطة والموقف الذي صار فيه فأستدرك قائلا: أن الله يعاقب كل مرتكب للأثم بحق الغير والفاسد ويظهر جزاءه وعقايه له بعد 20 أو 30 عاما. المهم في الأمر يا ولدي أن من برتكب الجرائم بحق الناس لن يفلت من عقاب الله أبدا حتى وأن طال الزمن. وهنا أرتاح اللص وأقتنع بهذه الأجابة!، فقال للسيد ما دام الأمر هكذا، أذا أنزل من حمارك وأترك كل متاعك. فنزل السيد خائفا مذعورا ممتثلا لأمر اللص، الذي لم يكتفي بسرقة الحمار والمتاع الذي عليه من عطايا أهل القرية، بل طرح السيد أرضا وأشبعه ضربا وسلبه حتى ملابسه ولم يبق عليه غير ما يستر عورته!. وبعد فتره من الوقت صحى السيد بعد أن أغمي عليه من شدة الضرب ونفض نفسه من التراب وهو يأن من شدة الألم والضرب !، وفي حال يرثى لها، ورفع رأسه الى السماء وتمتم ببعض الكلمات!. وأكمل طريقه الى قريته مشيا وهو حافي القدمين. وبعد مسير بسيط وصل الى نهر قليل الماء وبأمكان حتى الأطفال من عبوره، ولكنه تفاجأ باللص والحمار ساقطين وسط النهر واللص يصرخ متألما من كسر في ساقه من أثر السقوط!. وهنا هرع السيد بكل طيبة مسرعا لمساعدة اللص، ولكن اللص ركله وأخذ يسبه ويشتمه!، وهو يقول له: لعنك الله أنك والله سيد كذاب فقال له السيد معاذ الله ياولدي لماذا تقول علي هكذا. فأجابه اللص: لقد سألتك متى يظهر الله عقابه وجزاءه لمن يرتكب الخطيئة والأثم ويسرق مال الناس، فأجبتني أولا بأن حلم الله على ذلك بألف عام، ثم أدركت فيما بعد وقلت بعد 20 عاما. فرد عليه السيد قائلا، نعم هي الحقيقة يا ولدي فأنا لم أكذب عليك، لأن الله ينصر المظلوم ويظهر الحق ولو بعد حين ، فرد عليه اللص قائلا: لماذا أذا ظهرت عقوبة الله (حوبته) بي بعد هذا الوقت القصير من سرقتي لك؟. فقال له السيد لا يا ولدي، أن ما أنت فيه الآن هو ليس بسبب ما فعلته بي! بل بسبب سوء أعمالك السابقة التي أرتكبتها قبل 20 أو 30 عاما. أما جزاء الله وعقابه لك على ما فعلت بي فهذه ستظهر لاحقا وليس الآن!!. مقصد الكلام من هذه القصة البسيطة هو أن غالبية الناس تفكر بمثل تفكير هذا اللص، حيث يرتكبون الكثيرمن الأخطاء والأفعال بحق الغير متوهمين بأن حلم الله عليهم سيطول وأن عقابه لن يظهر بالحال!. هذا من جانب ومن جانب آخر أن الكثير من هؤلاء وقعوا تحت تأثير أقوال وأمثلة شعبية وحتى من بعض السور القرآنية،جاءت كلها من خلال واقع الحياة التي يعيشونها حيث غياب الحق والعدل فيها، مثل (الظالم سالم) وأيضا (عتبة الكافر من ذهب)، والأية الكريمة (ونمدهم في طغيانهم يعمهون). فنرى الآن وبسبب الظروف الغريبة وغير الطبيعية التي يمر بها العراق منذ عام 2003 أن الكثير من العراقيين يعيشون حالة من التشتت والأرتباك والضياع الفكري تصل الى حد التناقض بين ان يرتكب الخطأ أي خطأ كان (النفس أمارة بالسوء الا ما رحم ربي) وبين مخافة الله وعقوبته، فتراه يرتكب الكثير من المحرمات، ولكنه يقيم الصلاة ويصوم شهر رمضان ويواضب على زيارة مراقد الصحابة والأئمة الأطهارع معتقدا بل راسخا في الأعتقاد!!، بأن الصوم والصلاة وشفاعة الصحابة والأئمة الأطهار عليهم جميعا أفضل السلام ستمحي كل سيئاته، ولأن الله عز وعلا غفور رحيم!. لذا فهو يستمر بأرتكاب المعاصي وبنفس الوقت يستمر بأقامة فرائض الدين ويلتزم بكل الشعائر الدينية، باعتبار أن الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها!!.لأن هؤلاء بسبب جهلهم وتناقضهم وبحسب تفكيرهم أنهم أمنوا عقاب الله الفوري والسريع لهم!! فأساءوا الأدب وأرتكبوا المعاصي بل أستمروا فيها!. وهذا الفهم وهذا التصور الخاطيء أكده الدكتور علي الوردي رحمه الله في كتابه( لمحات أجتماعية من تاريخ العراق) حيث ذكر بأن الناس تؤمن بمبدأ الشفاعة، وفي الجزء الأول من كتابه أعلاه أورد حكاية عن أيمان الناس بالشفاعة. حيث ذكر بأن أحد أشقياء بغداد أيام الدولة العثمانية وأسمه (حسن كبريت)، وكان شقيا مرعبا قتل الكثير من الخلق وكان يمتهن السرقة، حيث كانت السرقة أيام زمان تعتبر نوع من المرجلة والشجاعة!. ومع الأسف صار الكثير من العراقيين يتعاملون بها في أيامنا هذه!. ويحكي الدكتور الوردي عن هذا الشقي بأنه وفي أحد المرات عندما سرق أحد البيوت ليلا وقفل راجعا الى بيته أضطر الى سلوك طريق المقبرة. عندها سمع صوت فتاة تستغيث طالبة النجدة وهي تتوسل بالله ونبيه والصحابة والأئمة الأطهار لعلهم يخلصونها من رجل أختطفها ويريد أغتصابها، فما كان من الشقي (حسن كبريت) ألا أن غرز خنجره ببطن الرجل وقتله وخلص الفتاة وأعادها لأهلها. وبعد أن تقدم العمر بالشقي (حسن كبريت) وصار كهلا لا يقوى حتى على المشي سأله أحد أصدقائه كيف ستواجه ربك (يا حسن) وماذا ستقول له بعد أن أزهقت أرواح الكثير من الناس.فرد عليه (حسن كبريت) بأن شفاعة النبي (ص) وصحابته الكرام وآل بيته الأطهار(ع) ستشفع لي عند رب العالمين. الى هنا تنتهي الرواية التي نقلتها لكم بتصرف. نقول: نعم أن الله عز وعلا غفور رحيم وأن النبي (ص) هو شفيع الأمة وأن صحابته وآل بيته الكرام لهم شفاعتهم ومنزلتهم العظيمة عند الله سبحانه وتعالى، ولكن شرط أن تكون توبة نصوحة خالصة لوجه الله لا رجعة فيها. لا أن تسرق ليلا وتصلي صباحا وتزني ظهرا وتصلي عصرا، وتترك شرب الخمر في شهر رمضان فقط وفي أول ايام العيد تحتسيه ثانية كما يفعل الكثيرون!!. نقول أن غالبية الشعب العراقي وخاصة في هذه الظروف العصيبة التي نمر بها يعيشون حالة من الصراع والتشتت والأضطراب بين ألتزامهم بالدين في ظل ظروف الحياة الصعبة ومتطلباتها الكثيرة وبين ضياع الحق والعدل وغياب سلطة الدولة، أضافة الى ما يشاهدونه ويسمعونه من نهب واضح للمال العام، والذي أدى بالتالي الى نفاذ صبرهم والى ضعف أيمانهم. فهم يسألون أنفسهم ماذا فعل الله بالسياسيين وقادة الأحزاب الذين نهبوا وسرقوا ومارسوا كل أنواع الفساد وأوصلوا العراق الى حالة من الضياع منذ عام 2003 ولحد الآن؟. فبالوقت الذي يموت الشعب ويجوع ويدمر ويفجر ويشرد ينعم السياسييون بالمنطقة الخضراء المحصنة بعيدين عن معاناة الشعب، وتنعم عوائلهم بدول أوربا؟! بعد أن أمنوا لهم الحياة لهم ولأحفاد أحفادهم لمئات السنين القادمة من المال الذي سرقوه؟!، فالعراق بالنسبة للسياسيين وحتى للكثيرين غيرهم أشبه بمحطة أرتزاق لا أكثر.!!.هذه الأفكار وهذه الأسئلة صارت تراود الكثيرين من عامة الناس!، وبات السؤال يلح عليهم : أين الله من كل هذا؟؟؟. والى متى يصبر على الظالم والسارق والقاتل، فكم من أناس ظلموا وسرقوا ونهبوا وأرتكبوا كل الموبقات والمحرمات لازالوا طليقي الحرية ويعيشون أحلى الحياة وأجملها وأسعدها بالمال الحرام الذي أغتصبوه!. لا جواب ولا تفسير على ذلك أنها حكمة الله التي لا تدركها العقول. ولا حول ولا قوة ألا بالله.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب