تدور رحى المعارك بين تنظيم “داعش” الذي أطلق – ربما لأسباب تنظيمية- تسمية جديدة على نفسه تحت عنوان “الدولة الاسلامية” وبين القوات الأمنية العراقية في مرحلة ترسم صورة مخيفة حيث تصور الاخبار بان شمال العراق وغربه يشبه الى حد كبير الجبهة الشرقية في سوريا التي تشمل محافظات الرقة ودير الزور والبوكمال وغيرها من المناطق الحدودية الواقعة قرب العراق.
ربما جاء إطلاق هذه التسمية تأثرا بتجربة “طالبان” الأفغانية التي أعلنت في عام 1996 وبدعم من أسامة بن لادن قائد تنظيم القاعدة السيطرة على أفغانستان. وفيما بعد أصبحت لطالبان فيها مقرات واليوم تخوض مفاوضات تخص تواجدها ومناطق نفوذها، لذا أعتبر تنظيم “الدولة الإسلامية” هذه التجربة يمكن تكرارها في العراق وسوريا، وربما جاء هذا الاعلان لأسباب تنظيمية تهدف لإزالة حدود العمل بين فصائل التنظيمات المتشددة.
وفي تاريخ 30 حزيران 2014 وهي الليلة الأولى من شهر رمضان الذي يتخذه التنظيم حافزا لانطلاق عملياته، أعلن المتحدث باسم تنظيم “الدولة الاسلامية” محمد العدناني في تسجيل صوتي عن إعادة إحياء “الخلافة الإسلامية” التي قال عنها أنها كانت سائدة في القرن السابع الميلادي، في إشارة الى الدولة الأموية من 661-750 ميلادية حسب قوله، وأن التنظيم ألغى المسمى السابق “داعش” وتبنى مصطلح “الدولة الإسلامية”، وأنه بايع أبو بكر البغدادي خليفة للدولة.
لكن هذا الأمر ربما غير واقعي فالخارطة التي يتحدث عنها تنظيم “الدولة الاسلامية” تشمل الأردن وسوريا والكويت والعراق وأجزاء من السعودية وهو الأمر الذي يضع هذه الدول على المحك مما سيجعلها في النهاية تواجه خطرا وبالتالي يستدعي مواجهة التنظيم الذي أصبح يشكل تهديداً للمنطقة.
وفي مطلع شهر حزيران قام التنظيم بالسيطرة على محافظة نينوى شمال العراق ومدن أخرى شمالية وغربية، وقام بتهريب مئات السجناء وقتل قرابة 190 شخصا واعدم 1700 جندي في تكريت، كما أعدم 175 من رجال القوة الجوية في تكريت أيضاً، فضلا عن قيامه بأعمال أخرى كالاغتصاب والسلب والتهجير. وقد قالت وزارة الهجرة و المهجرين انها سجلت اكثر من 38 الف اسرة نازحة في حين قالت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ان أكثر من مليون لاجئ فروا من منازلهم بسبب المعارك الجارية بين قوات الجيش وتنظيم داعش الارهابي.
واقتصادياً حصل التنظيم على 500 مليون دولار من خلال سرقة المصارف في الموصل، كما استحصل على اموال أخرى من خلال سيطرته على ابار للنفط في سوريا ويحاول اليوم السيطرة على مصافي عراقية من أجل تعزيز قدراته المادية.
وكان التنظيم يحصل على مبالغ مالية تقدر بـ 12 مليون دولار شهرياً من المواطنين في الموصل الذين يرغمون على دفعها تحت عنوان الفدية كما يقوم التنظيم بجمع التبرعات عبر طرق الجريمة المنظمة وتهريب الأسلحة والنفط والآثار والابتزاز والسطو المسلح.
وبحسب احصاءات يُعتقد أن التنظيم يضم في صفوفه بين 5000 إلى 6000 مقاتل. وقالت احصائية أخرى يصل العدد الى 20000 مقاتل ينتشرون في الاراضي السورية والعراقية. وفي حال توحيد عمل المجاميع المسلحة بأجمعها من متشددين ومعارضة في البلدين يصل العدد الى 60,000 الف مقاتل.
هذه الموجة العارمة من الاعمال الارهابية خلقت شعورا تطوعياً ربما يولد ظهور تيارات جهادية جديدة تجمع الأموال وتكسب المقاتلين من دول عدة فضلا عن تشجيع مجاميع أخرى يمكن ان تعود لمحاربة القوات الأمنية العراقية بعد ان شهدت هجرة للقتال في سوريا ضد النظام، ففي نيسان/ أبريل 2013 بثت مواقع متشددة تسجيلا صوتياً مدته 20 دقيقة منسوباً الى زعيم “دولة العراق الاسلامية” ابو بكر البغدادي أعلن فيه إنشاء تنظيم الدولة المزعومة.
وكشفت تقارير في وقت سابق عن سيطرة التنظيمات الارهابية على مساحة تقدر بـ 40% من مساحة محافظة الانبار، فيما يسيطر التنظيم على محافظة نينوى بأكملها واجزاء من محافظة صلاح الدين وديالى.
وكشفت بيانات عن أعداد ضحايا النزاعات منذ بداية حرب 2003، حيث سقط بمعدل 380 قتيلا في الشهر خلال فترة (تشرين الأول 2008 – نيسان 2013). وفي الفترة بين أيار 2013 و أيار 2014، شهد معدل الضحايا ارتفاعاً وصل إلى 1000 ضحية شهرياً.
استنتاجات
تنذر الاوضاع في العراق بكارثة انسانية وضعت البلد أمام تحديات عديدة منها:
ـــــــ سيطرة تنظيم “داعش” على مساحات عديدة في الموصل والانبار ومدن أخرى وهو الأمر الذي يجعل من هذه المناطق نقطة توتر تتخذها التنظيمات الارهابية قاعدة لانطلاق عملياتها.
ـــــــ استغلال الأكراد الأوضاع الأمنية المتوترة والاستحواذ على كركوك وربما مدن أخرى كما أن وقوفهم محايد من الأزمة يؤشر على انقسام البلد، فبدلا من ان يساهم الاقليم بالدفاع عن الاراضي العراقي أخذت حكومة الاقليم تساوم الحكومة المركزية من أجل تقاسم النفط والثروات وجعل كركوك واجزاء تحت سيطرت الاقليم فضلا عن مطالبها بإيرادات وتراخيص نفطية وهو الأمر الذي يعزز دور الاقليم الذي يسعى للانفصال.
ـــــــ ضعف إمكانية قدرة القوات المسلحة العراقية من السيطرة على الاراضي التي انتزعت منها وهو الأمر الذي سيكلفها كثيرا فان المعدات التي كانت في حوزة الجيش العراقي في الموصل تم الاستيلاء عليها وتم نقلها الى سوريا وأخرى لازالت بيد التنظيم. لذا أصبح من الواجب على الحكومة العراقي شراء معدات جديدة وإرجاع الأراضي، والأهم من ذلك هو إعادة الثقة في نفوس الجنود العراقيين والقدرة على خوض المعارك.
ـــــــ مخاطر ازدياد رقعة السيطرة من قبل تنظيم “الدولة الاسلامية” وهو الأمر الذي يهدد مدنا أخرى فان التنظيم يمتلك الان امكانيات عسكرية تؤهله لذلك من خلال القصف المدفعي وصواريخ الكاتيوشا…
ـــــــ ازدياد حراك التنظيمات المسلحة التي يقودها رجال عشائر سنة بدعم من قبل بعض القادة السياسيين الذين يؤيدون حركة التمرد مما ستكون هناك جبهة أخرى تدفع بعجلة الطائفية وضرب العملية السياسية.
ـــــــ كشفت هذه الاحداث عن عمق الفجوة بين الحكومة المركزية وهذه المدن سياسياً وهو الأمر الذي يتطلب إجراء إصلاحات سياسية.
حلول مقترحة
لعل بصيص الأمل لأنهاء الأزمة التي يمر بها البلد تكمن في انهاء الصراع وتشكيل حكومة تضع الاستقرار السياسي من أولوياتها، وانهاء الخلافات المستمرة حول الإيرادات والتراخيص النفطية بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان.
وبغض النظر عن توزيع المناصب فإن مشكلة التنظيمات الارهابية تتطلب تسوية سياسية تحد من العنف فهناك حاجة إلى ان يقدم الاكراد والحكومة المركزية تنازلات بشأن صلاحيات المركز ومساعي الاقليم لتصدير النفط، كما ينبغي على السنة معايشة الواقع والقبول بالعملية السياسية التي يقودها الشيعة بعد ان عملت الحكومة المركزية على إجراء اصلاحات سياسية ودستورية وإدارية.
ان عودة الأمن واعادة انتشار قوات الأمن العراقية في الموصل وأجزاء أخرى من العراق مثل كركوك والفلوجة تواجه عائقاً كبيراً حيث يستلزم ذلك مساعِ كبيرة تتمثل بالتوافقات السياسية، فما لم تتلقَّ الحكومة العراقية الدعم من القوى السنية، ربما لا يتهيأ لها السيطرة على تلك المدن وسيبقى تواجد القوات العراقية في هذه المدن مشكلة يعتبرها السنة جزءا من الأزمة.
يحتل الجيش العراقي المرتبة 58 عالميا والثامن عربيا وتبلغ ميزانيته 14 مليار دولار، ويمتلك أكثر من 330 دبابة بينها 140 دبابة أبرامز أميركية حديثة الصنع و3700 ناقلة أشخاص مدرعة و26 مروحية هجومية نوع أم آي 17 كما كما ينتظر استلام 36 طائرة مقاتلة من نوع أف-16 و24 مروحية أباتشي. ويمتلك العراق 15 فرقة عسكرية بقوام 250 فوجا عسكرياً من بينها أكثر من 60 فوج قتالي. بنحو 350 ألف عسكري، وهناك عدة نقاط إيجابية امام الحكومة استغلالها منها:
ـــــــ السعي لاقناع الولايات المتحدة الامريكية بان العراق يسعى للتخلص من التنظيمات الارهابية التي تشكل خطرا على العملية السياسية والمنطقة، وأنه سيكون أمام خيار التعاون مع دولة أخرى دون تقديم الدعم الأمريكي والالتزام بالمعاهدة الأمنية التي تنص على دعم العراق في حال تعرضه لأي خطر.
ـــــــ إعادة الطائرات العراقية التي لجأت إلى إيران خلال الفترة التي حكمها صدام حسين والتي وهي 24 مقاتلة فرنسية من طراز ميراج “أف1” و80 طائرة أخرى روسية الصنع.
ـــــــ الاستفادة بأكبر قدر ممكن من الخبراء الروس والأمريكيين الذين وصولوا الى بغداد من أجل مساعدة الجيش العراقي بعد الحصول على الحصول على 12 طائرة حربية.
ـــــــ اقناع القوى السنية المعتدلة بمصداقية وعود الدعم الحكومي لهذه المناطق سياسيا واقتصاديا. وان تحسن الحكومة العراقية علاقتها مع أهالي المناطق المتوترة أمنيا من خلال تقديم الدعم المنظم للدفاع عن انفسهم وخصوصا ان اغلب هؤلاء الأهالي يشعرون بالخوف من خطر هذه التنظيمات التي تتواجد وتعمل بقوة في تلك المناطق.
ـــــــ تقوية الجانب الاستخباري، وهو الأمر الذي ينبغي ان تركز عليه الأجهزة الأمنية وبشدة. والتركيز على تكثيف التعاون في تبادل المعلومات المتعلقة بالإرهاب ومكافحته.
ـــــــ إنشاء مجلس استشاري بمشاركة الحكومات المحلية على تقديم الدعم الكامل على المستوى الاقتصادي والسياسي والأمني.
خلاصة
على الرغم من أن القادة العراقيين غير قادرين على تجاوز الأزمة، ما زالت الأوضاع مقلقة من أن يجرّها الوضع إلى نشوب حرب أهلية، وهذا أمرٌ يهدد مسار العملية السياسية وتقويض السياسة الخارجية للبلد مما يجعل من أرض العراق ساحة للصراعات الدولية.
وإذا ما أثرت سياسة الولايات المتحدة على مجرى الأحداث في البلد، فسيكون أمام العراق فرصة ومجموعة من الخيارات التي تنطوي على خارطة من التحالفات الجديدة بينها وبين روسيا وايران