18 ديسمبر، 2024 8:33 م

حلف بغداد يلقي بضلاله من جديد

حلف بغداد يلقي بضلاله من جديد

انهمرت السهام على الاجتماع الثلاثي العراقي التركي الإيراني الذي عقد في نيويورك يوم ٢٠ ايلول ٢٠١٧ على مستوى وزراء الخارجية ووصفته اقلام الإخوة الاكراد انه يهدف الى احياء حلف بغداد والذي وصفته تلك الاقلام ايضا بالمقبور. واتسعت الأفواه لشتم معاهدة سعد أباد لسنة ١٩٣٨ بين العراق وتركيا وإيران ، وكذلك لشتم ميثاق حلف بغداد الموقع بين هذه الدول الثلاثة سنة ١٩٥٥ ، وكذلك لشتم معاهدة الجزائر الموقعة سنة ١٩٧٥ بين العراق وإيران.

وما نرد به على تلك الاّقلام المريضة ان هذه المعاهدات الثلاثة كان هدفها الرئيس منع الدول الموقعة على المعاهدات من التدخل في الشؤون الداخلية للدول المعنية بالمعاهدات الثلاثة.

والان أيهما الأفضل ان نجلس على مائدة المفاوضات ونحل الخلافات القائمة بيننا بالطرق الودية والسلمية ام نحلها بوضع جيش مقابل جيش اخر؟ هذا ليس على لساني وانما جاء على لسان المرحوم نوري سعيد. ففي سنة ١٩٥٦ افتتح العراق سد حديثة ودعي الى الاحتفالية الجمهورية السورية التي مثلها في حينه المرحوم أكرم الحوراني الذي قال للمرحوم نوري سعيد في المقابلة التي جرت بَيْنهمَا ان الإنجازات التي يحققها العراق عظيمة ولكن وجوده (وجود العراق) في حلف بغداد وهو حلف استعماري يضعف من هذه الإنجازات فرد عليه المرحوم نوري سعيد ان لدينا مشاكل كثيرة مع تركيا وإيران ثم أتتم قوله بما ورد آنفا.

وطالما ان هذه المناسبات كلها وردت الان على وفق دعوة السيد مسعود البرزاني رئيس الإقليم لإجراء الاستفتاء بخصوص انفصال الإقليم عن العراق فلعل من المفيد ان نتطرق الى الاّراء المتنوعة بخصوص الاستفتاء والتي لا تتفق في رؤياها مع بعضها البعض.

في ما يتعلق بالرأي الكردي العام فأنه مؤيد ومتحمس للانفصال ويغذيه في ذلك ثلاثة عناصر: (١) الخلفية الثقافية التي دأبت على تحشيد الاكراد لهذا اليوم ، يوم الانفصال منذ سنة ١٩٢١ او في المائة سنة الاخيرة. (٢) الرخاء والاستقرار والأمن الذي ينعم فيه الاكراد منذ سنة ٢٠٠٣ وما يقابله عدم الاستقرار وفقدان الأمن والركود الاقتصادي في بقية العراق. (٣) نجاح الدعاية السياسية والتعبوية لحكومة الإقليم بأيهام الاكراد بأجحاف الحكومة المركزية حقهم في الميزانية العامة وعدم اعطائهم نصيبهم المقرر لهم على وجه الحق.

ويقابل ذلك او يقابل الرأي الكردي رأي مغاير له تماما يرفض الانفصال الذي يطالب به الاكراد ويصفه انه غير دستوري ولا قانوني ويستعرض الحقوق والمكاسب التي لا تعد ولا تحصى التي حصل عليها اقليم كردستان والمواطن الكردي مقارنة بأخيه المواطن العراقي في باق العراق. ويمثل هذا الرأي الأغلبية العظمى من ابناء الشعب العراقي.

وبين هذين الرأيين رأي اخر ولكن متواضع ، وفي احيان اخرى مريب ، فهو لا يعارض اجراء الاستفتاء على التقسيم المزمع إجراءه يوم ٢٥ أيلول الجاري ولكن يشترط إجراءه على ارض الإقليم الحالية (المحافظات الكردية الثلاثة) ومن غير تجاوزها ولا حتى لانج واحد.

لا تقبل قيادة كردستان بالرأي الأخير اي اجراء الاستفتاء في المحافظات الكردية الثلاث فقط ، لانها عولت ، في ظل الصلاحيات الواسعة التي مارستها منذ سنة ٢٠٠٣ في المناطق التي تدعي انها متنازع عليها، فضلا عن الظروف المضطربة الاخرى التي يعيشها باق العراق ، ان ترسم خارطة جديدة تقسم العراق بموجبها وتحتجز لنفسها ما تشاء من الاراضي العراقية غير الكردية تحت حجة الاراضي المتنازع عليها.

اجراء الاستفتاء او تأجيله في الوقت الراهن لا يغير من الحقيقة اي شيء بعد اليوم. لقد اختط الشعب الكردي لنفسه مسارا اخر له غير الانتماء للشعب العراقي. فشكل التصريحات التي تتفوه بها النخب الكردية على مختلف أنواعها وكذلك شكل التعبير الذي رسم على تصرفات المواطن الكردي العادي كلها تجسد نجاح زرع بذرة الفرقة بين ابناء الشعب العراقي الواحد.

ربما شكل الكونفدرالية في ضوء الصورة المرسومة يكون اكثر مقبولية من شكل او مفهوم الفدرالية كون الكونفدرالية تمنح إستقلالية أوسع من تلك التي توفرها الفدرالية ولكنها غير مقبولة ايضا من القيادة الكردية الحالية كونها ستبقي اقليم كردستان او الدولة الكردية المرتقبة خالية من المناطق المتنازع عليها التي توفر الاراضي الشاسعة لإقليم كردستان فضلا عن الثروات الطبيعية الهائلة التي تمتلكها هذه الاراضي.

المنطق والعقل يدعوان ، لاسيما بعد أخذ الأوضاع الشائكة والمعقدة في العراق وفِي الدول الإقليمية المجاورة ايضا ، وبعد الأخذ بنظر الأعتبار عدم خلو ولا دولة اخرى في العالم من التنوع الثقافي والعرقي ، فأن المنطق والعقل يدعوان وبألحاح الى حل الاختلافات بين الإقليم والحكومة المركزية ان وجدت بالطرق الودية والأخوية واعتماد المبدأ أن الصلح سيد الأحكام في الوقت الراهن وترك الباقي لتقرر مصيره الأجيال القادمة التي ستكون ظروفها غير الظروف الحالية بكل تأكيد