بدأ وزير الخارجية الأمريكي بومبيو بزيارة لثمان عواصم عربية لتأكيد الحضور الأمريكي في العالم العربي، وخصوصاً في دول منطقة الشرق الأوسط العربية.
وعودة إلى الرياض، التي زارها الرئيس الأمريكي ترامب وتم الاعلان فيها عن عقود تسليح تبلغ عشرات المليارات من الدولارات بين الولايات المتحدة والسعودية، تنهض بموجبها السعودية بمهمة رئيسية لتحقيق التوازن الاقليمي ودور عسكري أكبر في المنطقة وخصوصا في مواجهة ايران. وبهذا فإن ادارة ترامب ترى أنه “سيكون هناك مستوى مختلف من التعاون” مع السعودية، كما وأنه سيكون للأمريكان حلفاء يلعبون دورا أكبر في ضمان أمنهم بدون الاعتماد على الجيش الامريكي، وهذا هو المنطق الذي سيطبق مع السعودية.
وبتعزيز القدرات العسكرية السعودية، تريد الولايات المتحدة، على الارجح أن ترى السعوديين يتولون الجزء الأكبر من العبء في مواجهة المخاطر الاقليمية وخصوصا تهديد ايران.
ويقول مدير الامن الاقليمي ونقل الاسلحة في وزارة الخارجية الاميركية مايك ميلر ان “حزمة معدات الدفاع والخدمات تدعم أمن السعودية ومنطقة الخليج في مواجهة ايران على الامد الطويل، كما تعزز قدرات المملكة بالمساهمة في عمليات مكافحة الارهاب في المنطقة”.
وأهم ما في تلك الإتفاقات التسليحية العسكرية هو خطة لتحديث القوات البحرية السعودية ما سيجعلها شريكا أهم بكثير في التعامل مع التهديد غير المتكافئ الذي تشكله ايران في المنطقة.
ويرى خبراء ستراتيجيون أمريكان أن إعلان الرياض كان خطوة للتقدم باتجاه “حلف ناتو عربي” اقليمي تتمنى واشنطن تشكيله والذي تحدثت عنه الأنباء باستمرار لأن السعودية ترى الآن أن هناك ثقة لديها بان الولايات المتحدة ستكون شريكاً ستراتيجياً دائماً في مواجهة التهديد الذي يشكله الايرانيون.
وقال مسؤولون في البيت الابيض لصحيفة “واشنطن بوست” في وقت سابق ان محادثات حول تشكيل تحالف عسكري عربي وقعت بين ادارة ترامب والحكومة السعودية منذ فوز ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وأكدت الصحيفة أن نائب ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ومستشار البيت الابيض وصهرترامب جاريد كوشنر يتصدران هذه المناقشات. وذكرت الصحيفة أن الهدف الرئيسي لادارة ترامب هو “وضع اطار ومبادئ اساسية لاقامة تحالف سني موحد لبعض الدول العربية والإسلامية مما يمهد الطريق لقيام هيكل تنظيمي مشابها لحلف الناتو”. وقال مسؤولون في البيت الابيض أن هدف هذه المنظمة سيكون “توجيه الحرب ضد الارهاب وردع ايران”. ويتطابق هذا المفهوم مع ثلاثة مبادئ رئيسية للرئيس ترامب في إطار السياسة الخارجية الأمريكية “أمريكا أولاً”: تأكيد المزيد من القيادة الأمريكية في المنطقة، وتحويل العبء المالي لأمن الولايات المتحدة إلى الحلفاء، وتوفير الوظائف للأمريكيين في الداخل من خلال مبيعات الأسلحة الضخمة.
وذكرت “وول ستريت جورنال” أن الحلف المنتظر سوف يقوم على غرار الناتو من حيث مبدأ الدفاع المشترك، الذي يعتبر الاعتداء على أي بلد عضو فيه، اعتداء على الحلف ككل، وأن العمل مستمر في الوقت الراهن على صياغة النظام الداخلي لهذا الحلف. وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة ستقدم دعما عسكرياً وإستخبارياً للتحالف، الذي قد يشمل أيضا تبادل معلومات إستخباراتية مع “إسرائيل”، لافتة إلى أن “الولايات المتحدة وإسرائيل لن تكونا ضمن معاهدة الدفاع المشترك. كما ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عرب قولهم إن “الإدارة الأمريكية أخبرتهم بأن الدور الإسرائيلي في التحالف سيقتصر على مشاركة معلومات إستخبارية، وليس التدريب أو الدفع بقوات على الأرض”.
وفي رد موسكو “غير الرسمي”، على تلك التقارير إعتبر الخبير العسكري الروسي إيغور كوروتشينكو أن التحالف الأمريكي العربي الذي لاح في الأفق سوف يمثل، إذا ما تم حشده، خطراً كبيراً سيهدد الأمن في الشرق الأوسط والعالم.
وموقف موسكو هذا ليس غريباً للعيان خصوصاً وأن موسكو تربطها علاقات قوية بإيران ودول المنطقة التي تدعمها إيران، كسوريا مثلاً، والتي هي السبب الرئيس وراء فكرة إنشاء هذا الحلف العربي، والموقف الروسي ضد هذا الحلف المزمع إنشاؤه تجلى بتعليق كوروتشينكو الذي قال: “لا أرى أي مبرر يسوّغ حشد هذا التحالفات ضد إيران، نظراً لأنها لا تهدد أي أحد!، بل تعمل على مكافحة الإرهاب وملتزمة بالاتفاق النووي معها”، وبهذا أعاد كوروتشينكو إلى الأذهان التصريحات “السلبية، بل العدوانية” الصادرة عن عدد من المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي ترامب تجاه إيران والاتفاق النووي معها.
كما وقال ألكسندر بيريندجييف، الخبير العسكري وأستاذ العلوم السياسية بجامعة بليخانوف في موسكو، في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” الروسية، إن “الحلف الجديد سيهدد إيران؛ الحليف القوي لروسيا في مجال مكافحة الإرهاب الدولي !!!، ولا يمكن توقع أن تكون آفاق هذا التحالف إيجابية إطلاقا”. وتوقع بيريندجييف أن تنفذ الدول المنضمّة لهذا التحالف عمليات عدوانية عسكرية واسعة النطاق تجاه إيران، لافتا إلى أن الولايات المتحدة تريد أن تنفذ هذه العمليات بأيدي وكلاء عنها.
وتماماً عكس الموقف الروسي هذا، فإن فريق الرئيس الأمريكي ترامب المدعوم بنخبة من الجنرالات الأكفاء، لا يخفون موقفهم المتشدد تجاه إيران باعتبارها الخطر الأكبر على المصالح الأمريكية في المنطقة. فقد صرح ماتيس، وزير الدفاع السابق المستقيل، بأن “إيران واحدة من كبريات الدول الراعية للإرهاب في العالم”.
إن فكرة إنشاء هكذا حلف ليست بالجديدة، فرغم أن الزيارة الأخيرة لجيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي المستقيل، للمنطقة إقترنت بتفسيرات تتعلق بالترويج لإنشاء “ناتو عربي”، لمواجهة إيران والتنظيمات المتطرفة، فإن أول من دعا لإنشاء هكذا حلف هو الجنرال مايكل فلين، المدير السابق لوكالة المخابرات الدفاعية، ومستشار ترامب المستقيل للأمن القومي (يونيو 2015). كما وشاركت مجموعة من الخبراء العسكريين والأمنيين بمركز لندن لأبحاث السياسات بواشنطن في أيلول/سبتمبر 2016، برئاسة توني شافر نائب رئيس المركز، في إعداد ورقة عمل لتأسيس “منظمة إتفاقية الخليج والبحر الأحمر” لتتولى مسؤولية الدفاع المشترك وفرض الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
إن الفكرة الأساسية لإنشاء “الناتو العربي” المخطط لها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية هو تفكيك محور “طهران- موسكو” إلا أنها تواجه تحديات وتضارب فى المصالح؛ فالسعودية قد تأمل فى جعله إمتداداً لقوات درع الجزيرة، تحقق من خلاله مصالحها فى اليمن وسوريا والبحرين، بينما الأولوية لمصر لمواجهة الجماعات الإرهابية التى تستهدف أمن وإستقرار البلاد، وتجنب الصبغة الطائفية، إنطلاقاً من وسطيتها، ما يفسر التعارض مع الموقف السعودي من الأزمة السورية، بالإضافة لحرص سلطنة عمان وقطر والكويت على تحقيق التوازن فى علاقاتهم بإيران، ما قد يحول دون إنخراطهم فى أية أنشطة ضدها. ناهيك عن عداء تركيا للفكرة، لتعارضها مع علاقاتها الوثيقة مع إيران، وما قد تتيحه لمصر من لعب دور رئيسي بالمنطقة على حسابها، إلى حد أنها رفعت الفيتو عن مشاركة إسرائيل فى المناورات العسكرية لحلف الناتو، لتشجعها على عدم الانخراط فى دعم التحالف الجديد، ولتطرح إطاراً بديلاً للتحرك الأمريكي بالمنطقة.
يقال إن التحالفات بين الدول تبنى إما على قاعدة المنافع المتبادلة أو على قاعدة العدو المشترك، وهذا ما نراه يحدث في المنطقة من خلال ما يمكننا تسميته بحلف “وارسو إيراني” يمثل التحالف بين روسيا وإيران وسوريا، وحلف “ناتو عربي” يمثل التحالف بين العديد من الدول العربية، وخصوصا الخليجية، وبعض الدول الإسلامية تقوده الولايات المتحدة، والذي هدفه المعلن الرئيسي هو الحد من توسيع نفوذ إيران داخل العراق أولا، وبقية دول المنطقة العربية ثانياً.
ولو تم إستكمال إنشاء هذه التحالف العربي – الإسلامي – الأمريكي الجديد فإنه سيكون بلا شك بداية حرب باردة أخرى في منطقة الشرق الأوسط يقودها العملاقان الأمريكي والروسي لا يعرف مداها في المستقبل المنظور.
كفى الله العراق شر هذين الحلفين، وعسى أن يستطيع يوماً ما الخروج من تحت المظلة الأمريكية والنفوذ الإيراني الواضح في سياسته.