يحكى أن المتوكل العباسي، كان مولعاً بصيد الطيور النادرة، وفي أحد الأيام أصطاد عصفوراً جميلاً، ذا زقزقة فريدة، فوضعه في قفص من ذهب، وبعد أيام مل المتوكل من العصفور، لعدم زقزقته ونظرته الحزينة، لذلك أطلقه ليضربه بسهم، من أجل متعته الشخصية، فرمى المتوكل السهم فأخطأه، فقال أحد وزرائه: أحسنت يا أمير المؤمنين، فقال المتوكل: أتهزأ بي؟ فقال الوزير: لقد أحسنت للعصفور، حيث أنك لم تصبه!
عالم اليوم مكان موحش، يمتلأ بالأفاعي والمسوخ، الذين يجدون لذتهم في الفوضى والدماء، والقتل والتشريد، وأمريكا تحديداً تعمل ما عمله المتوكل العباسي، بتعامله مع العصفور، وإستهزاء الوزير برمية أميره البائس، وتوجيه الإحسان للعصفور لأنه لم يمت.
أمريكا درست التاريخ العربي جيدا،ً وحفظته عن ظهر قلب، ورسمت خطتها بمكر، فتجدها اليوم قد صنعت نسخة جديدة للإسلام، المتمثلة بــ (داعش)، لمحاربة المسلمين المعتدلين، وتشويه الصورة الحقيقية له، فهي تصدر جملة من الأكاذيب، حول سعيها للتحالف مع العالم، والقضاء على صنيعتها، في الوقت الذي تلقي لهم بالغذاء والأسلحة، لإستمرار زخم المعركة، وفرض سيطرتها، بمزيد من الخراب والدمار، للعراق وسوريا، وما يثير الإستغراب أن بعض الدول، بدأت تدخل الى السيناريو الأمريكي المعد مسبقاً، التي وضعته لداعش، وتم تدريبهم على أساسه، في خلق الفوضى للبلدان المؤثرة، في الساحة الإسلامية، والعربية خصوصاً.
المتابع للشأن الأمريكي، بخطتها للقضاء على الإرهاب، يتضح جلياً مقدار تخلف بعض العقول، التي تؤمن بشعارات حقوق الإنسان والديمقراطية، عبر تصديرها للشعوب المضطهدة، كما تدعي ومساندة حركات التحرر والحرية، في حين أنها تنتج أبشع أنواع القتلة والمتطرفين، في معتقلاتها السرية، لإشاعة ثقافات جاهلية قذرة، لا تمت للإسلام بأية علاقة، وأساس نتاجهم التشدد والتكفير والذبح، بذرائع واهية تستهوي المنحرفين، لذا فالمتوكل لا يختلف عن أمريكا بشيء.
من المؤكد أن بإستطاعة أمريكا، مسح داعش من خارطة الوجود، وخلال أيام قلائل، ولكن ما يدفعها هو ديمومة الصراع، في المناطق المتاخمة لمصالحها، حتى تتمكن من تغذية الصراع متى ما شاءت، وتمثل على العالم دور الرقيب على المنطقة، لتنأى بنفسها عن المشاركة الفعلية في المعركة، وتستغل ذوي العقول المتحجرة كوقود مستعر، لإثارة المزيد من التأجيج والطائفية، بإتجاه التقسيم، الذي يبدو لهم حلاً لا بد منه وبعدها يختم بختم مصنوع خصيصاً للدول، التي تذبح وتقسم، الى دويلات (حلال.. مذبوح على الطريقة الداعشية!).
الدعم الذي طالبت به الحكومة، في معركتها مع داعش، هو وقف تدفق الإرهابيين، وتجفيف منابع تمويلهم، السؤال من أين يأتي للعراق الأمان؟ وأمريكا هي الداعم الأول للتسليح، وإطلاق سراح المتشددين كالكلاب المسعورة، لتنهش أجساد الأبرياء، بدعوى الجهاد، وإقامة الخلافة اللا إسلامية المزعومة، والتي تشربت بمبادئ أبن تيميه، وعبد الوهاب الطائفية، فأين الإحسان الذي جلبه هؤلاء، على أنصارهم المغرر بهم؟ وأين هي أمريكا من وعودها، بتأسيس دولتهم المتخلفة؟