حينما ينظر المرء محللا لما جرى ويجري بالعراق وليس متفرجا لأن الجرح لا يؤلم إلا صاحبه ، وقد نكون نحن العراقيون أكثر الشعوب التي تحملت جراح وألام وإخفاقات ، وأكثرها تعرضا للمؤامرات والخبائث ، فيسأل سائل لما فرحكم قليل لا يتناسب مع مظاهر الحزن التي تمتلك الصورة الأعم وكأنكم تحبون الحزن والبكاء أكثر ما تحبون الفرح والابتسامة أو الضحك ، ويتندر غيره علينا ، حينما يسأل مستغربا أن الغناء عرف عنه منذ الأزل هو للأعراب عن المسرات والفرح ، ولكن العراقيون حتى غنائهم فيه نبرات الحزن ، وإن العديد من الأغاني العراقية حينما نستمع أليها ، نجد إن الكثير من الناس تحاول إخفاء دموعها خجلا من المحيطين .
لعل السائلين عن ذلك لا يستوعبون وضعنا الذي قد نكون عبر الأجيال كشعب ، نكون سببا مباشرا ورئيسيا قد ساعد في صناعة ما يسألون عنه ، ولأننا نعيش في زمن آخر يسمى زمن ( الديمقراطية الأمريكية المستوردة ) علينا أن نؤشر على بعض الطرائف التي قد تبرر عما نحن فيه .
قبل احتلال العراق كان السيد حسين ( أبو رحاب ) صهر المالكي وأمين سره وزوج أبنته أسراء مستأجر كرسي في محل حلاقة أسمها ( حلاقة كربلاء ) في شارع الفاروق بالسيدة زينب بدمشق فيما كان عمه نوري المالكي الذي كان يسمي نفسه آنذاك ( جواد المالكي ) قد ترك محل بيع المسابح شرق مقام السيدة زينب وأنتقل إلى منطقة جرمانه ليعمل مع شخص سوري في محل دلالية عقار واستجار الشقق وتنظيفها وما شابه ، ولو كنا نعلم بما سيحل بنا كعراقيون على أيدي هؤلاء لكنا قد فعلنا شيء يمنع حدوث الكوارث ، لأن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى وهذا البلاء ذكرني بأقصوصة نافعة ، حيث يحكى أن ابنة هولاكو زعيم التتار كانت تطوف في بغداد بعد احتلالها على يد أبيها فرأت جمعا من الناس يلتفون حول رجل منهم ، فسألت عنه فإذا هو عالم من علماء المسلمين ، فأمرت بإحضاره فلما مثل بين يديها سألته :
ألستم المؤمنين بالله ؟
قال : بلى .
قالت : ألا تزعمون إن الله يؤيد بنصره من يشاء ؟
قال : بلى .
قالت : ألم ينصرنا الله عليكم ؟
قال : بلى .
قالت : أفلا يعني ذلك أننا أحب إلى الله منكم ؟
قال : لا .
قالت : لم ؟
قال : ألا تعرفين راعي الغنم ؟
قالت بلى .
قال : ألا يكون مع قطيعه بعض الكلاب ؟
قالت : بلى .
قال : ماذا يفعل الراعي إذا شردت بعض أغنامه ، وخرجت عن سلطانه ؟
قالت : يرسل عليها كلابه لتعيدها إلى سلطانه .
قال : كم تستمر في مطاردة الخراف ؟
قالت : ما دامت شاردة .
قال : فأنتم أيها التتار كلاب الله في أرضه وطالما بقينا شاردين عن منهج الله وطاعته ، فستبقون ورائنا حتى نعود أليه جل وعلا .
وما زلنا شاردين وكلاب الأرض تطاردنا حتى نعود إلى الله وإلى وطنيتنا العراقية الأصيلة ، التي كنا لا نعرفها وقتها بوجود طوائف وأديان مختلفة تعيش بجوارنا وتأكل من مطابخنا ونأكل بين عوائلهم الكريمة ، كنا نسمع الأذان ، ولم نكن ننتبه لمفردات قول المؤذن ، لأننا كنا نثق بقوله ودعوته للصلاة ونثق بنواياه التي جعلته يجهر بصوته لدعوتنا للصلاة لا أكثر لأنه يؤذن للجميع ، وحينما كانت منطقة ( رأس ألحواش ) بالأعظمية في مناسبة عاشوراء ذكرى إسشتهاد أبي الأحرار توزع الأطعمة بحب الحسين ، كنا
نقرأ بكتب المدرسة في قرى سوق الشيوخ وأحياء البصرة ، عن بطولات صحابة رسول الله ( ص ) وهم يفتحون الأمصار وينشرون دين الله ، ولكن لم يكن يدرك أي أحد أن تكون حلاقة كربلاء هي من أنتجت لنا طاغية أسس للطائفية وصنع الأعداء للعراق من كل حدب وصوب ، وسرق المال والحلال ، وأصبح الدم العراقي مباح بلا حدود ، وإذا افترضنا جدلا أنه يمثل حزب الدعوة في شيء ، فأن أفعاله وممارساته وأفعال أصهاره وأبنه وبعض الزمرة القريبة منه ، قد ألحقت العار والشنار بحزب الدعوة ومبادئه ، وضيعت دماء منتسبيه ، حينما قدم للعالم أسوء صورة لزعيم سياسي عبر التأريخ ولكننا سنظل شاردين مستسلمين ، نتفرج على ضياع أرض العراق وثرواته وأبنائه ، حيث القتلة واللصوص ومن ساهم بتدمير العراق لا يزال طليقا ، بل ويمتلك المناصب والجاه والسلطة من دون رقيب أو حسيب ، لقد انتصرت حلاقة كربلاء على الوطن !!