23 ديسمبر، 2024 9:11 ص

حكيم الفقراء

حكيم الفقراء

من بين صفوف الفقراء ومن بين صفوف المعوزين والمسحوقين،من بين صفوف المعدمين الذين سحقتهم الايام والاحتلال البريطاني، من بين صفوف الفلاحين والعمال البسطاء ، من بين صفوف السواعد التي تبني الحياة، من بين الوجوه التي تعبت وعانت وبكت من اجل الحرية ومن اجل لقمة العيش ومن اجل بناء الوطن . من بلد اسيوي تختلف فيه الديانات فمنها السماوية ومنها الوضعية في بلد بلغت دياناته الثمانية عشر ديانة ، فكم هو عدد مذاهبه؟ في بلد مترامي الاطراف اذ تبلغ مساحته ثلاثمائة وعشرون الف كيلو متر مربع ، في بلد يعمل اهله في صناعة المطاط وزراعة الرز والاناناس والموز، في بلد ترهقه الامية وترهق غالبية شعبه البالغ عددهم ثمان وعشرون مليون نسمة .    من بين هذه الصفوف برز ابن مدرس بسيط ليمتطي فرسه (دراجته) متنقلا هنا وهناك بائعا للموز فكانت رحلته اليومية تسجيلا لمعاناة شعب ، سعى هذا الرجل وجد واجتهد ليدخل كلية الطب وبعد تخرجه لم يجلس في برجه العاجي على انه حكيم (طبيب) بل على العكس نزل الى الشارع وخصص جُل عمله لفقراء والمعوزين الذين عاش معهم وخرج من بين صفوفهم . لم يحلم بالقصور وبالمركبات الفارهة، لم يحلم بالرحلات والجوازات، عمل جراحا فقرر ان يستأصل سرطان الفقر والتخلف في بلده ليس من خلال الطب فقط بل ومن خلال الاقتصاد والسياسة. وفي عام خمس وسبعون وتسعمائة والف اصبح وزيرا للتعليم العالي فكانت فرصته الثمينه بارسال الالاف من الطلبة في بعثات دراسية الى ارقى الجامعات العالمية حيث كان يؤمن بأن التغيير يأتي من خلال التربية والتعليم. وفي عام واحد وثمانون وتسعمائة والف اصبح الحكيم رئيسا للوزراء فنزل الى الشارع وعلم شعبه مبدأ العقاب والثواب بعد تأسيسه للنظام المحاسبي الذي سيقود الوطن الى النهضة الشاملة . لم تُسير الاحزاب وطنه ولم تُقطع المحاصصة وزاراته ولم تبرز فئة او طائفة او حزب على حساب الاخرين بل كان المبدأ هو ان الناس (سواسية كأسنان المشط) . عَمل وعملت وزاراته على مبدأ (وقفوهم انهم مسؤولون ) وعلى مبدأ (من اين لك هذا) . عمل وعمل الشعب معه حيث التف حوله على ان التربية والتعليم اولا منطلقا من اول اية نزلت على سيد الكائنات محمد (ص) وهي (إقرأ بأسمِ رَبك الذي خَلَق) حيث آمن وآمن الشعب معه بأن التغيير قادم من خلال المعرفة  والعلم لا بالجيوش والاسلحة الفتاكة ، وان التغيير قادم مهما بعدت الشقة وعلى مبدا (اطلب العلم ولو كان في الصين) حقن نهضته وهو جراح بمضاد رباني (كلكم من آدم وآدم من تراب) وعززه بالفايتامين النبوي (العمل عبادة) فكان شعاره وشعار شعبه العمل ثم العمل من اجل الشعب والوطن فكان الغرس صحيحا وفي محله فأينعت الثمار وانتشر الخير والاخيار فأفتتحت ارقى الجامعات وعبدت الطرق وبنيت اكبر الجسور وناطحتْ المباني السحاب ونشطت السياحة والصناعة والزراعه وتقدم البلد في كل المجالات حتى ان المحللين قالوا ان (النمر الاسيوي قادم) نعم انه قادم لان بنائه تم على مبدأ ان التربية والتعليم اولا ترافقها مخافة الله وعدم التمييز بين الناس والتضحية والايثار والتخطيط العلمي المدروس ، حيث خطط هذا الرجل الشجاع لخطة عمرها عشرون عاما لبناء وطنه ورفاه شعبه . اعتمد على الله وشعبه ولم يعتمد على احد لم ينتظر المساعدات والامدادات من الغير ولم يتلون ويداهن كغيره من السياسيين آمن ان المدد من الله والشعب والارادة الحقة الصادقة النبيلة . لم يخطط هذا البطل الشجاع للبقاء في كرسي الحكم بعد كل هذه الانجازات وبعد ان رأى بأم عينيه ان الرخاء قد عم وطنه وان النهضة قد شملت كل مرافق الحياة ودخلت كل بيت وشارع فقرر الاعتزال وفسح المجال للاخرين لمواصلة مسيرة البناء ، فهل عرفته عزيزي القارئ؟ انه رئيس الوزراء الماليزي (مهاتير بن محمد ) الطبيب الجراح الماهر والمفكر الاقتصادي المبدع وبائع الموز النجيب وقائد الفقراء والمعوزين ومؤسس النهضة الماليزية اطال الله عمره ورعى بلده وشعبه وحفظه وحفظ كل عامل لوطنه ورزقنا وسائر الاقطار العربية بقادة مثل مهاتير بن محمد والشيخ زايد رحمه الله.
[email protected]