23 ديسمبر، 2024 6:48 ص

حكومتنا والقصف الاسرائيلي

حكومتنا والقصف الاسرائيلي

قبل ثماني سنوات وتحديدا في العام 2011، كانت لي زيارة للعاصمة اللبنانية بيروت، في اول رحلة خارج البلاد وضمن جدول السياحة المعد بالتنسيق مع السائق الذي حددته الجهة التي ارسلتني للسياحة والتخفيف من توتر العمل، كانت زيارة مناطق تعرضت للقصف الاسرائيلي خلال حرب العام 2006، والتي مازالت أبنيتها وشوارعها تحتفظ بآثارها بشكل جيد وكانه يروي قصة مواجهات حصلت قبل ساعات وليس منذ سنوات، حينها وقفت مذهولا كونها المرة الأولى التي اشاهد اثار اعتداء صهيوني على ارض عربية وبصمات واضحة لمدى “الحقد” الذي يحمله الصهاينة وقادتهم، لتبقى تلك المشاهد في مخيلتي استذكرها بين فترة وأخرى وخاصة في كل مناسبة يتم الحديث فيها عن إسرائيل وطموحاتها.
لكن، لم اتخيل يوما رؤية اثار القصف الاسرائيلي في بلادنا التي أنهكتها “كوميديا السياسة ومسرحياتها”، التي كانت من نتائجها ضياع السيادة التي جعلت سماؤنا وحدودنا متاحة للجميع، تخترقها الطائرات كيف ماتشاء وتعبرها الأرتال ويهبط قادة الدولة في قواعدهم العسكرية من دون رقيب او حسيب، حتى وصل الامر الى “التبجح” وبشكل علني باستهداف مقار عسكرية تابعة للحشد الشعبي “بحجة” وجود اسلحة ايرانية عابرة للحدود تشكل خطرا على اسرائيل وأطماعها في المنطقة، وبضوء اخضر أمريكي واحداثيات معدة مسبقا.
نعم.. الدخان الذي ارتفع في سماء العاصمة بغداد مِن منطقتها الجنوبية ورائحة الكبريت التي ملئت الشوارع والأزقة، وأصوات الانفجارات المتتابعة للصواريخ والقذائف التي تطايرت من قاعدة الصقر في منطقة الدورة، التي كنت شاهدنا عليها منذ اللحظات الاولى لصوت الطائرة، نعم، فموقع منزلي وفر فرصة مناسبة لسماع صوت طائرة قبل ثواني من التفجير المدوي الذي رافقه صوت انطلاق، والدليل الاخر، اذا كان الهجوم بقذائف هاون، من المفترض ان تكون سلسلة انفجارات قبل الانفجار المدوي، لكن ماحصل كان صوت انطلاق ثم انفجار مدوي أعقبها سلسلة انفجارات تطايرت خلالها قذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا فقط.
جميع تلك المشاهد دفعتني لاستذكار اثار الدمار الذي شاهدته باسلحة الاسرائيليين في لبنان واستحضرت شعور المواطنين الأمنيين في حينها حتى بدأت الاسئلة تتكاثر في ذهني،، كيف تُمارس الحكومة سياسة “الصمت” على تلك الانتهاكات؟، ولماذا تحاول الابتعاد عن اعتراف نتيناهو رئيس الوزراء الاسرائيلي ووسائل إعلامه والمغردين على تويتر من أمثال ايدي كوهين، وتفاخرهم بقصف معسكرات الحشد بالطائرات من دون اي احتجاج او اعتراض لدى الامم المتحدة؟، لكن وكما يقال بان من يهن يسهل الهوان عليه، فهي ليست المرة الاولى التي يحاول رئيس الوزراء عادل عبد المهدي “الاختباء” مبتعدا عن التعليق على قصف قاعدة الصقر، فقبلها امرلي وديالى ولَم نسمع اية ادانة او تعليق، يضع النقاط على الحروف، وأكثر مافعله شكل لجنة في معسكر امرلي اظهرت نتائجها بان الانفجار في حينها كان نتيجة “وقود صلب”، لكنه لم يحدد طبيعة هذا الوقود وكيف انفجر، في حين اعلن نتنياهو متفاخرا بان طائرات بلاده قصفت معسكر الحشد.
ليدفع “صمت” حكومة عبد المهدي اسرائيل لتكرار المحاولة وقصف مخازن عتاد الحشد الشعبي في معسكر الصقر وباعتراف اخر من الاعلام الاسرائيلي وأدواته في مواقع التواصل الاجتماعي لتكون تغريدة كوهين دليلا اخر لا يقبل الشك، حينما كتب معلقا “تم تطهير بغداد الرشيد من الصواريخ البالستية الايرانية”، التي لم نشاهدها تتطاير في السماء مع صواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون، لتكون “خدعة” اخرى يمارسها الصهاينة لاستهداف القوات الامنية العراقية، ولو كانت اسرائيل جادة باستهداف ايران فطهران ومعسكرات الحرس الثوري ليست ببعيدة، لكنها للاسف تستهدف الحكومات “الضعيفة” وقادتها “النيام”.
ياسادة… ان رفضنا لطريقة تخزين اسلحة الحشد الشعبي داخل المدن، لا يعني أبدا تاييد من يحمل ايران او الحشد الشعبي مسؤولية تعرض مقاره او مخازن عتاده للقصف ويتجاهل “صمت” الحكومة وتغاضيها عن استمرار الطائرات الاسرائيلية بخرق سيادتنا، التي لم تكررها منذ قصفها لمفاعل تموز في العام 1981، اي قبل ثمانية وثلاثون عاما، لكن تحميل قاسم سليماني وبعض فصائل الحشد المسؤولية وتجاهل القضية الاساسية التي تقصف من اجلها اسرائيل مخازن العتاد لا يمكن وصفه بغير، محاولة لابعاد عبد المهدي عن المسؤولية وايجاد شماعة نعلق عليها “ضعف” وفشل حكومتنا، فاسرائيل يزعجها وجود قوة امنية تمتلك القدرة على ردع مخططاتها في المنطقة، وهذه حقيقة لا توجد سوى لدى الحشد الشعبي وقواتنا الامنية التي افشلت مشروع داعش وكشفت من يقف وراءه.
الخلاصة… ان صمت عبد المهدي وحكومته تجاه التجاوزات الاسرائيلية وقصفها لمقار الحشد الشعبي لا يمكن ان يبتعد عن طريقين، الاول قد يكون عبد المهدي “ضعيف” الى درجة لا يستطيع اقناع امريكا وحلفاؤها بإجبار اسرائيل على ايقاف انتهاك سيادة العراق، او قد يكون “مستفيدا” من أضعاف الحشد الشعبي بهذه الطريقة لكونه يجد صعوبة بالسيطرة على بعض فصائله، لكن في الحالتين سيكون عبد المهدي الخاسر الوحيد وقد يغادر السلطة بسبب سياسة “الصمت”… اخيرا.. السؤال الذي لابد منه، من سيوقف القصف الاسرائيلي؟..