بعد التصرف الأهوج الذي قام به المقبور صدام في الثاني من آب عام 1990 في غزوه الجارة الكويت، فرضت على العراق عقوبات عديدة من قبل عصبة الأمم المتحدة، وكان لزاما على دول العالم الانصياع لقراراتها والامتثال لبنودها، وكان أولها مقاطعة العراق سياسيا واقتصاديا، وقد أغلقت المملكة العربية السعودية الجارة المتاخمة للعراق سفارتها أسوة بباقي الدول، واستمر الحال على هذا المنوال حتى زوال النظام وسقوط حكومة البعث، وعاد بعدها العراق بالتدريج الى وضعه الطبيعي بين الدول الى حد ما، إلا أن السعودية في حقيقة الأمر بقدر ماكان بودها سقوط نظام صدام لأنه خرج من جلباب خدمة مصالحها، امتعضت من قيادة العراق الجديدة بعد السقوط، ومآلها الى يد الفئة الغالبة من السكان، رغم أن انسيابية السلطة جاءت تبعا لصناديق الاقتراع، وباختيار شرائح الشعب وفئاته دون تمييز او إجبار او تهميش. وقد سارعت حينها دول عديدة لإعادة المياه الى مجاريها بدءًا بفتح سفاراتها في البلاد. لكن آل سعود لم يكن في مخيلتها يوما أن تشارك جارها الشمالي بعض المصالح أسوة بالدول المحيطة ولاسيما العربية، وماهذا إلا وليد تركة فكر وهابي يمنعها من التعامل مع العملية السياسية في العراق الجديد، فتأخر افتتاح سفارة المملكة الى حين. وباستطلاع تصريحات العديد من الساسة -منهم المقربون الى آل سعود- في بداية السعي الى افتتاح سفارتهم في العراق، نلمس تفاوتا واضحا في الرغبة من عدمها حول افتتاحها، فحين أعلنت الرياض في الثاني من حزيران 2015 عن تعيين السبهان سفيرا لها في العراق بعد مفاوضات استمرت شهورا بين البلدين، جوبه هذا الأمر برفض من التحالف الوطني، وطالب العبادي بعدم الموافقة عليه لعدم كفاءته. فيما اعتبر النائب عن القائمة العراقية حامد المطلك قرار فتح السفارة دليلا على وعي وزارة الخارجية العراقية وصحة ما ذهبت إليه، مؤكدا أنه “من الضروري أن يعيد العراق علاقاته مع محيطه العربي والإسلامي، خاصة أنه يعيش ظروفا استثنائية”.
الى هنا الأمر في منتهى المهنية، إذ من غير الممكن أن تستمر العلاقة بين الجارين دون افتتاح سفارة لكل منهما في بلد شقيقه. لكن ماتداعى من أحداث سياسية وأمنية سلبية من جراء افتتاح السفارة السعودية في بغداد، تجبر المنظر والمستطلع والمستقرئ والقارئ والمحلل، على الربط بين وجود سفارة لآل سعود في العراق، وبين خضم المشاكل والقلاقل التي مابرحت تتوالد تباعا في مفاصل الدولة العراقية والشارع العراقي. وإن أردنا النظر الى الأمر من باب الأهم ثم المهم، فإن الوضع الأمني والعسكري في العراق هو أقرب الجوانب تأثرا بوجود السفارة السعودية على أرض البلد فعالة بحريتها التامة. ولعل من أبلغ الفعاليات التي لايمكن احتسابها بريئة او غير مقصودة، هي تصريحات وتحركات سفيرها السبهان، فهو لايغمض له جفن إلا على نار يعلو سناها في ركن من أركان العراق، وسواء عنده أأكلت النار من جرف العملية السياسية أم من واقع الشعب وأمنه ومستقبله!
أرى أن حكومتنا تهوى الشعور بالتظلم، وترغب أن يقال عنها “خطية” فدأبت على وضع حالها وحال العراقيين في مواقف لايحسد عليها متضرر، حتى كأنها تجسد بيت الدارمي القائل:
للعكرب تعنيت بيدي لزمتهه
حيل وبعد وياي هاي الردتهه