ان تعمل بميدان السياسة في بلادنا العربية عليك التمتع ببعض الصفات التي توفر المناخ المناسب لاستمرار بركات المنصب، ابرزها ممارسة “فن الكذب” بتقنية عالية وقدرة كبيرة على الإقناع حتى يتكاثر المؤيدون “لخطابك” وتصبح لديهم “مقدسا” لا يأتيك الباطل من بين يديك، ولا من خلفك ويكون جميع ماتتحدث به لا يمكن تأويله بغير “الصدق” والحقيقة والحرص على مصالح الأمة.
لكن بالمقابل هناك الطرف الاخر الذي لا يمكن كسبه لجانبك لكونه يدرك مدى “قدرتك على الكذب” ويعلم جيدا ان حديثك عن الوطنية وهموم “عُبَّاد الله” وكشف الفاسدين لا يمكن ان يتعدى البحث عن “مغانم جديدة”، حتى لو فرضنا بان “صاحب المعالي” يحاول لمرة واحدة ان يكون صادقا وينقل واقعة حقيقية فان “تصديقه” او الإيمان بحديثه سيبقى ضعيفا، بسبب مارسمه لنفسه من طريق منذ البداية، فقبل ايام خرج علينا النائب كاظم الصيادي ليبلغنا بأسعار المناصب والدرجات الخاصة التي توزع بين القوى السياسية وحجمها بملايين الدولارات حتى وصل سعر منصب المدير العام لدى احدى الكتل الى مليون دولار، ومعاون المدير يبلغ سعره نصف مليون دولار، في حين وصل سعر منصب وكيل الوزارة الى ثلاثة ملايين دولار، واختتم الصيادي حديثه عن مشاجرة حصلت في وزارة النفط استخدمت فيها جميع انواع “اللكمات” بشأن منصب ضمن الدرجات الخاصة.
قد يكون الصيادي صادقا في حديثه وخاصة الأرقام التي تحدث عنها والدليل تعرضه للتهديد من قبل بعض الاطراف، لكن بماذا ينفع كشف تلك المعلومات والصيادي وغيره جزءا من “منظومة الفساد والكذب” الذي تعيشه عمليتنا السياسية، وحكومتنا الموقرة بجميع وزاراتها ومناصبها الخاصة فالجميع يحاول “تصريف” بضاعته بالكذب على الاخر، كطريقة لادارة الحكومة ومفاصلها فقبل ايام ابلغنا النائب قتيبة الجبوري بان وزير الكهرباء المحسوب على تحالف سائرون “المطالَب بحقوق الشعب” يمارس الكذب على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي من خلال تجميل الواقع “المريض” للكهرباء والحديث عن زيادة في الانتاج والتجهيز، لكننا لا نعلم هل فعلا يصدقه عبد المهدي او يحاول التغاضي للحفاظ على منصبه رغم علمه “بكذب” وزيره “المدني”.
نعم.. عزيزي القارئ.. صفة الكذب هي افضل ميزة تتمتع بها حكومة السيد عادل عبد المهدي وخاصة حينما تتحدث القوى السياسية بان رئيس الوزراء هو المسؤول عن تاخير الكابينة الوزارية التي شهدنا اخيرا ولادة ثلاث حقائب فيها وتركت الكابينة من دون تربية، في حين يصر عبد المهدي على اتهام تلك الاطراف بالوقوف وراء عدم حسم كابينته الوزارية، وكانهم يتبادلون الأدوار بالكذب باتفاق غير معلن نسجت خيوطه باجتماعات الغرف المظلمة نصه يقول “تحدث بما تراه مناسبا ونحن سنتحمل ونغض الطرف”، ليصل الامر الى الدرجات الخاصة التي يقول عنها عبد المهدي ان بعض القوى السياسية الكبيرة منحته تفويضا لتسمية المرشحين لتلك المناصب واختيارهم حسب “الكفاءة”، لكن ماحصل في اول قائمة لاصحاب تلك الدرجات يظهر التقسيم الواضح لأكثر من سبعين منصبا حصلت عليها أطراف يتقدمها تحالف سائرون وتحالف الفتح، وحتى لا “تنزعج” بقية الاطراف هناك 400 درجة اخرى تنتظر حصتها من التقسيم بالتساوي او حسب “المحاصصة” والتي لا يستثنى منها كتلة المعارضة التي رفعت رايتها تيار الحكمة، واذا سالتهم عن الاسباب، سيعلن الجميع “بكذبة” مكشوفة برأتهم من تلك التقسيمات.
الخلاصة.. ان تبقى الكابينة الوزارية ناقصة وبدون وزير للتربية امر قد ينتهي باتفاق على ترشيح شخصية محددة تاتي بصفقة لارضاء بعض الاطراف السياسية ونتجاوز الازمة بتسمية وزير حالها كبقية الحقائب الوزارية، لكن ان تبقى حكومتنا “بلا تربية” تمنع رئيسها ووزراءه عن “الكذب” تلك معضلة لا يمكن حلها بالتصويت داخل مجلس النواب، اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. متى تتعلم حكومتنا التربية”؟