23 ديسمبر، 2024 1:16 ص

حكومتكم بخدمتكم

حكومتكم بخدمتكم

عن جهل أو عن خطل سياسي، عن عمد أو عن قراءة خاطئة لتاريخ الشعوب، تحشر الكتل والاحزاب السياسية العراقيين في زاوية الانفجار، نحو اللحظة التي تمور فيها الشوارع بالغضب، كما تمور بجحيم القيض.

أثبتت السنوات المنصرمة ان لا دواء لداء الازمات التي تعصف بالبلد في ظل السياسيين الجاثمين على صدر البشر والشجر، وان الداء الحقيقي يكمن في البنية الهشة للنظام السياسي القائم على قدم واحدة. قدم الفرقة بين مكونات الشعب العراقي. ويكمن الداء أيضا في بنية الاحزاب والفصائل السياسية والقائمين عليها.

لو كانت ثمة مسطرة لقياس الاداء الحكومي، لاكتشفنا ان اداء العبادي لا يختلف عن اداء المالكي، وان اداء المالكي لم يكن مختلفا عن اداء الجعفري، وان اداء الجعفري لم يكن مختلفا عن اداء علاوي. جميعهم يتحسسون نجمات الجنرال التي تزين أكتافهم والتي يخفونها تحت بدلاتهم، وجميعهم يرتدون العمامة بمختلف ألوانها، لكن في الخفاء.

استبشرنا خيرا حين حل العبادي محل المالكي، ونسينا، أو تناسينا، ان الرجلين ينهلان من منهل واحد، وانهما يتبعان مرجعية سياسية بعينها. ومع كل التأييد والدعم اللذين حظي بهما العبادي داخليا واقليميا وعربيا حين تولى رئاسة مجلس الوزراء، إلا انه، على ما يبدو، مُصِر على السير في ذات الطريق التي سلكها سلفه. الفساد ذات الفساد. والمحسوبية الحزبية ذاتها. والتزوير يكاد ان يطال الانسان العراقي قبل الوثائق وشهادات المسؤولين الدراسية. وبحسبة بسيطة: عشرة أشهر مضت منذ ان تشكلت حكومة العبادي، ما الذي تحقق في مجال الخدمات وهي عصب العلاقة بين الحكومة والشعب؟ الكهرباء والصحة والتجارة والتعليم والاسكان والنقل ما زالت مافيات فساد كما كانت، ولم تتقدم خطوة واحدة في تقديم خدماتها للمواطن، بل تراجعت بعض هذه الوزارات الى درجات أسوأ بكثير مما كانت عليه في عهد المالكي.

أما على المستوى الأمني، فلست أعرف كيف قضى العبادي ووزير داخليته ومدراء أجهزته الأمنية ليلتهم حين شاهدوا بلدا صغيرا مثل الكويت اكتشف هوية منفذ التفجير الإجرامي في مسجد الإمام الصادق، بل واكتشفوا خارطة تحركاته ومن قدم له الدعم داخل الكويت وألقوا القبض عليهم، وماذا قال كل منهم لعائلته ومعارفه حين شاهد أمير الكويت يجر خطواته

الواهنة والدموع تترقرق في عينه وهو يقول؛ هؤلاء عيالي يجري علي ما جرى عليهم وخلفه وزير داخليته يردد انه لا يستطيع ان يلبس عقاله خجلا مما جرى؟.

تذكروا أيها السادة ان الكويت امارة صغيرة كانت حتى سنوات خلت تحتمي بالعراق. لكنها الإرادة الوطنية التي ساعدت على هذا التقدم الأمني فيها، مثلما ساعدت على تحويل دبي من صحراء قاحلة الى مصاف المدن الأولى في العالم من حيث الاقبال السياحي. فهل يمتلك السيد العبادي هذه الإرادة الوطنية أم انه مكبل بالارادات الداخلية والخارجية؟.

حتى إشعار آخر، أعتقد ان العبادي سقط في امتحان الشعب، وان الشعارات التي رفعها منذ توليه رئاسة مجلس الوزراء لم تعد صالحة حتى علفا لأسماك الأهوار المهددة بسبب الاهمال.

والحلول البسيطة تحولت الى حلول مستحيلة بفضل تجار الدم وتجار الحروب وتجار الدين حتى بات التغيير الحقيقي بحاجة الى معجزة، هل ثمة عودة لزمن المعجزات؟.

لا تولد لحظة الخلاص إلا بالقضاء على أولئك المتراقصين حول أسوار السفارات، والى ان تحين تلك الساعة سنبقى بالانتظار، وأحذيتنا متأهبة لترجمة ما تراه عيوننا، على حد تعبير اندريه بريتون، و..حكومتكم بخدمتكم.

[email protected]