19 ديسمبر، 2024 1:03 ص

حكومة وطنية مدنية (نعم)…. حكومة تاريخية دينية (لا)

حكومة وطنية مدنية (نعم)…. حكومة تاريخية دينية (لا)

ان الامم المتطلعة للمستقبل تحرص على تحديد التحديات وتحليلها ودراستها ووضع ما يناسبها من الاستراتيجيات والخطط اللازمة لمواجهتها من خلال الاعداد النفسي لمجتمعاتها للابتعاد بها عن التاثيرات والمحفزات التي تؤدي الى افكار خاطئة أو سلوك خاطئ يعرقلها عن مواكبة الامم العظيمة بغرس ثقافة المواطنة التي يتحصن المجتمع فيها حتى لا يهدد من داخله اثر هذه الافكار وهذا السلوك وجعله يؤمن انه جزء من تلك الامم العظيمة التي تسعى الى التقدم والتطور والازدهار .ومواكبة واقع الكل يريد ان يكون فيه من خلال الابداع والعمل الجماعي . فتراهم يتجشمون الصعاب من اجل البحث عن الافكار المبدعة للتحول من الاحسن الى الافضل . والاشتراك في سعي المجتمعات نحو التجانس عبر تفعيلهم لثقافة مشتركة وهي ان المجتمع البشري تحكمه قوانين ضرورية تحتم عليه التغيير والتطور والاشتراك الفعال في حركته .وان سايكلوجيا الانكار لهذه القوانين أو تفضيل عدم مواجهتها من قبل مجتمع ما تجعله غير مستعد لمواجهة التحديات التي يفرزها التنافس بين الامم والذي يؤدي عدم استعداده لها الى مشاكل تطبق عليه اثاره المدمرة من كل ناحية لتجعله خاضعا ومستسلما ومهزوما .فالامم التي تسعى الى المستقبل تنظر الى تاريخها بانه يبدأ مع كل يوم جديد تحرص فيه على تدعيم الفرص وتقويتها وتقليل التهديدات وتدارك اي نقطة من نقاط الضعف فيه والعمل على تجاوزها .ما يجعل بعض هذه الامم تضع استراتيجية طويلة للتنمية والتطور قد تمتد لخمسين سنة قادمة ( كاليابان) تقوم كل خمسة أو عشرة اعوام خلالها بتقييم تنفيذها للاهداف المحددة في هذه الاستراتيجية لتنمية البنى التحتية فيها وتقويتها. وتضع استراتيجيات قصيرة الاجل مرنه بين هذه الاستراتيجية يحسب فيها امكانية تغيرها مع المواقف التي تلزم بتغيير هذه الاستراتيجيات بما يتلائم مع المستجدات والظروف التي قد تؤثر على تحقيق اهدافها.وكذلك ترسي الدولة قيم ثقافة المواطنة من خلال حكومة وطنية مدنية تجعل المواطن مواطن صالح لشعوره أن الدولة تقدم له الخدمات وبما يتلائم وطموحه مع العمل على سلامة الوطن وتطوره باعتبار هذه الحكومة هي الامينة على مصالحه فتزداد بذلك الحصانة الاجتماعية بين المواطنين وشعورهم بتقديرهم لذاتهم اثر تثقيفهم بان الحكومة وسيلة تمكنهم من تحقيق حاجاتهم وتطلعاتهم وطموحهم مما يؤدي الى توجيه قواهم لمساندتها لتحقيق اهدافها المتمثلة باعطاء الحقوق كاملة مع اداء الواجبات كاملة ضمن تطبيق القوانين وروح الانضباط الذاتي .
  بينما تتمثل في الحكومة الدينية المستندة الى التاريخ بسياسين يفكرون ويقررون وما على الاخرين سوى الطاعة والاذعان واغداق المديح والتبجيل والرياء لفرد على نحو مبالغ فيه ووصفه بصفات تعلو على قدرة الانسان ، والتشبث بالماضي الذي يمثل مصالح قطاعات خاصة من المجتمع دون اعتبار المصلحة العامة والامانة الوطنية. وتتميز هذه الحكومة بالتاييد الاعمى وبدون امعان النظر في التوجيهات اللازم تنفيذها والذي يولد بلبلة الافكار وبث روح السلبية في المجتمع اثر انشغاله باحداث وقعت قبل مئات القرون انسجاما لمذاق السياسيين ( المدعيين بالتدين ) اللذين لا يملكون سوى الخطاب السياسي والديني المتعصب القائم على تجريح الغير والذي يولد رد فعل من هذا الغير وبنفس الاتجاه . وقيام اشخاص غير مسؤولين بتوجيه سياسة الدولة عبر الباب الخلفي لها وفق قوالب جاهزة تفتقر الى الحيوية . ووقوع رجال الدين في فخ منح الامتيازات ليكونوا من رجال السلطة مما يجعل من الدين مصدر تفرق وتمزق وعداء بدلا من كونه دعوة للتسامح والاخاء . ان رجل الين الحريص على سمعته وعلى دينه ينأى عن السياسة وازلامها لان السياسة هي فن المصالح المتصارعة القائمة على مواقف مختلفة . ولان النخب السياسية الحالية دائما منقسمة ليس لديها استراتيجية للتنمية والاصلاح اثر الخلافات والصراعات فيما بينها واختلاف الولاءات التي تسبب الفوضى والارتباك اللذان يكون ضحيتهما سلامة الوطن ووحدته ووأد لتطلعات الناس وطموحاتهم .
  فالمطلوب الان لتدارك الخطر الداهم الذي يهدد الوطن والمجتمع هو وضع استراتيجية لثورة ثقافية وطنية لتنقية المجتمع من كل افرازات التاريخ  .هذه الثورة التي يمكن من خلالها تنمية الولاء الوطني في المجتمع وتحيي فيه روح التعاون الجماعي الذي من خلاله يمكن ان يلحق بركب الامم الصاعدة .بدلا من الضياع في ولاءات السياسيين المتقاطعة التي جعلت من الدولة ( طبخة تعدها امريكا، وتوقد نارها تركيا وتغذيها قطر والسعودية، لتاكلها ايران بعد نضوجها ، وعلى السياسيين غسل الصحون ).