للوهلة الأولى, تفاجأ الجميع بخلو الكابينة السابقة لحكومة أقليم كردستان من الكرد الأيزيديين الذين غالباً ما يوصفون بالكرد الاصلاء، وذلك قبل نحو السنتين من الآن عندما أعلن عن تلك الكابينة. ويشدد الرئيس مسعود البارزاني على مصطلح الكرد الأصلاء، وهو محق في ذلك، ناهيكم عن حبه واخلاصه العظيمين للأيزيديية ولقضية الشعب الكردي بشكل عام. وفي حينه، أي بعيد الأعلان عن الكابينة تلك والتي خلت- خلافاً للكابينات السابقة- من (الكرد الأيزيديين الاصلاء) وللمرة الأولى في تأريخ الوزارات الكردستانية، اعتقد الكثيرون، ان ما حصل خطأ سيتم تداركه على جناح السرعة واطلقت وعود لتصحيحه وعلى أثر ذلك تقدم عدد من الكرد الايزيديين بطلبات للفوز بحقيبة وزارية في تلك الكابينة ولقد كانوا جميعاً جديرين بالفوز بها. وكان اثنان من مقدمي الطلب يترددان علي بين حين وآخر ويتابعان مصير طلبهما، واقاما لفترات في فنادق اربيل، بانتظار الجواب. وفي أحد الأيام قلت لكليهما وعلى حدة. ان يكفا عن بذل المساعي والمحاولات وبأن الأيزيديين لن يدخلوا الكابينة السابعة ولا الكابينات اللاحقة أيضاً, وكانت حجتي في ذلك، وبعد إمعان الفكر في المسألة والتدقيق فيها, كالاتي:
1- ان الدول المحيطة بكردستان, تركيا وايران والعراق والتي يتحكم بها الاسلام السياسي والتعصب الديني بدرجات متفاوته, لن تقبل بوجود ايزيدي لانهم من غير أهل الكتاب، في الحكومة الكردستانية ، وهذا لا يعني البتة ان اهل الكتاب كالمسيحيين مثلاً مرغوبين لدى تلك الدول أو أن وضعهم بافضل من وضع الأيزيديين، بل أن وضعهم (المسيحيون) سيء جداً, يرثى له. وكلما تقدم الاسلام السياسي على صعيدي السلطة والشارع فان حقوق الايزيديين وكل الشرائح الاجتماعية غير المسلمة ستتعرض لانتهاكات أوسع وأكبر.
2- لقد كان الحزبان الكرديان الرئيسيان: الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني, يتباريان في السابق على كسب ود الايزيديين وتوسيع تنظيماتهما بينهم، وبعد الانشقاق الذي حصل في حكومة الاقليم جراء الاقتتال الداخلي بين الحزبين الكرديين في عام 1994 واستمر الى عام 1998, فأنه كان للايزيديين حقيبة وزارية في حكومتي أربيل والسليمانية واللافت, انه لم يكن لأي من الحزبين مرشح لأشغال مقعد في الحكومة الكردستانية السابعة, مايفيد ان كلاهما نزلا عند ضغوط حكومات الاسلام السياسي في المنطقة لأجل حرمان (الكرد الايزيديين الأصلاء ) من المشاركة في الحكومة الكردستانية السابعة. وكم كنا نتمنى ان تبقى المنافسة الشريفة بين الحزبين لكسب ود الايزيديين لما في ذلك خير الايزيديين وحقوقهم المشروعة العادلة، والشعب الكردي عموما وكذلك نظامهم الديمقراطي.
ان على الحزبين الكرديين، الديمقراطي والاتحاد, ان يراجعا سياساتهما حيال الايزيديين ويصححا الخطأ الذي ارتكباه والذي الحق الغبن واللا انصاف بهم، ولا ننسى ان الكابينة الثامنة على الابواب، فهل يحرم (الكرد الأصلاء) وهم بحق اصلاء – منها؟. الجواب: انهم على الأغلب سيحرمون منها، طالما إن الاسباب التي ثم اقصاءهم بموجبها من الكابينة السابقة قائمة باقية، والذي يعمق من هذه الاسباب اكثر هو اشتداد الصراع الطائفي السني الشيعي وتفشي وباء القاعدة والجماعات الدينية الأسلامية المتطرفة يوماً بعد آخر في العالم العربي والاسلامي وعلى وجه الخصوص في الشرق الأوسط.
3- لقد علمتنا تجارب الحكومات الوطنية الفتية في العالم الثالث أو البلدان النامية, ان هذه الحكومات في بداياتها تنفتح على الكيانات السياسية والقوميات من خارج الأمة المهيمنة , والاقليات الدينية والمذهبية كذلك، ولكن ما ان ترسخ اقدامها في السلطة، فانها سرعان ما تتراجع عن انفتاحها، وتنتهج الانغلاق تجاهها، ولكم كنا نتمنى ان تتجاوز الحكومة الكردستانية هذه القاعدة ،بيد ان حرمان الايزيديين من الحقيبة الوزارية في الكابينة الماضية وخلو البرلمان الكردستاني الذي انتخب يوم 21-9-2013 من أي نائب ايزيدي يوحي بعدم تجاوز الحكومة الكردستانية لتلك القاعدة المنوه عنها.
ولقد كان من الطبيعي أيضاً، أن يخلو برلمان كردستان في دورته الرابعة 21-9-2013 من أي نائب ايزيدي، ومما لايختلف فيه اثنان ان ايا من الحزبين الكرديين، لم يكونا متحمسين اصلاً لنيل الايزيديين مقعداً أو اكثر في البرلمان الكردستاني، بقدر الحماس الذي ابدياه لغرض وصول التركمان والمسيحيين اليه، أشدد على مظلومية ومغبونية المسيحيين والتركمان ايضاً. وتحديدا في المناطق الخاضعة للحكومة المركزية والمتنازع عليها واعود الى الايزيديين واقول ان من حقهم، الشعور بالحزن والغبن وخيبة الامل وما الى ذلك وهم ينظرون الى حكومة كردستان وبرلمانها، وقد تراجعت في ظلهما خصوصهيتهم الدينية، والخصوصية عند الاقليات الدينية والقومية هي الاهم.
إن الحديث عن مظلومية الايزيديين، اثار لدي جملة من الافكار والمسائل مثل: ان الكرد الايزيديين لم يحرموا من عضوية الكابينة السابعة والبرلمان الكردستانيين فحسب، بل من أي منصب سيادي في مجلس وحكومة محافظة نينوى أيضاً، بالرغم من انهم الان وفي السابق كذلك يشكلون الاكثرية في قائمة التاخي والتعايش الكردية في تلك المحافظة ولولاهم لمافازت القائمة تلك بالمرتبة الاولى في انتخابات مجلس المحافظة يوم20-6-2013. ولما كانت القاعدة تصاغ من تكرار الحالة، فان تكرار حرمان الايزيديين من الفوز بأية حقيبة وزارية في الكابينة السابقة وعدم التحمس لهم بالفوز بمقعد في برلمان كردستان، اضف الى ذلك حرمانهم من اي منصب سيادي في مجلس وحكومة محافظة نينوى يعزز من رأيي ، بان هناك ضغوطا على حكومة كردستان للتضييق على حقوقهم وحرياتهم في المستقبل ايضا: ان الايزيديين بحكم موقعهم الجغرافي وقربهم من خط التماس مع العرب في محافظة نينوى، اصبحوا تلقائيا في الخط الامامي لمعركة الكرد ضد خصومهم التقليديين من الشوفينين والارهابيين، والحكومات العراقية في السابق، ولقد ثبت من موقعهم في ذلك الخط النهج والاهابات الكردية بهم. ونتيجة لذلك، فان الكرد الايزيديون فازوا ب 6 مقاعد في البرلمان العراقي، وباكثرية مقاعد قائمة التاخي والتعايش الكردية في محافظة نينوى كما اسلفنا، وحتى في ظل الحكومات العراقية السابقة وللمزايا نفسها، فان الايزيديين في قضائي الشيخان وسنجار واجزاء من محافظة دهوك، كانوا سورا للثورة هناك وفي الخط الامامي للثورة الكردية، ولقد قتل وجرح من بينهم خلق كثير. وبعد تفكير معمق في الفوز الكردي الايزيدي في محافظة نينوى والمناطق المتنازع عليها في هذه المحافظة وفوزهم بالمقاعد البرلمانية تلك، اقترح وذلك لاجل انصاف الايزيديين وبقية الكرد الاخرين من الشبك، ومكونات اجتماعية مثل المسيحيين والتركمان في نينوى، ومحافظات كركوك وديالى وصلاح الدين حيث المناطق المتنازع عليها، ان يتمتع الفائزون بعضوية البرلمان العراقي، بعضوية البرلمان الكردستاني أيضاً فا لقول (المناطق المتنازع عليها) يعني التكافؤا بين الكرد والعرب وحكومتي الاقليم والمركز. وهكذا فأن الاخذ بهذه الحقيقة يتطلب تمتع نواب المناطق المتنازع عليها بعضوية برلمانين، العراقي والكردستاني لحين حسم قضية تلك المناطق.
منذ زمن و(الكرد الايزيديين الاصلاء) وأنا مؤمن بأنهم اصلاء حقاً، اصبحوا بين مايشبه حجري الرحى، ان الارهاب يلاحقهم، يقتلهم، يذبحهم، يهدم دورهم، ولم يتوقف قتل افراد منهم لحد الان سيما في بغداد والموصل، وبين حرمانهم من وظائف سيادية في حكومة كردستان، مع الفارق الشديد بين الغبن الذي يعانونه في كردستان والناتج اصلا عن ضغوط اقليمية وبين مايتعرضون له من حرب ابادة على يد الارهابيين والعناصر الشوفينية والدينية المتعصبة في المناطق خارج نفوذ حكومة اقليم كردستان. ومما لاشك فيه، ان الديمقراطية السائدة في كردستان تتقدم على ديمقراطيات كثيرة في العالم وبالاخص تلك التي تسود بلدان المنطقة، لكنها تظل ناقصة وقد تمضي باتجاه التقلص والتراجع، اذا لم يتدارك قادة حكومة كردستان والاحزاب الكردستانية الكبيرة الصغيرة ومنظمات المجتمع المدني واخرى مدافعة عن حقوق الانسان وكذلك جمهرة الكتاب والمثقفين الخطأ ويعملوا على انصاف الايزيديين واحترام خصوصيتهم ومراعاتها وذلك من قبل ان يكبر الخطأ وينمو، ومن السهل القضاء عليه (الخطأ) وهو في المهد، وبعكسه فان الجميع سيكونون امام عواقب وخيمة في المستقبلين المنظور والبعيد، ولن يكون المستفيد منه سوى اعداء الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، اعداد الكرد المسلمين والايزيديين، وكذلك المسيحيين والتركمان، وبالرغم مما ذكرنا فان على الكرد الايزيديين وهذا ما تقتضيه مصالحهم الحيوية الوطنية والقومية ان يكونوا مع حكومتهم وشعبهم الكردي وان لا ينخدعوا بالدعايات المغرضة التي تستغل الاخطاء والهفوات للنيل منهم ومن حكومتهم ووطنهم الكردستاني. فالاخطا تزال حتما ان عاجلا او اجلا ولن يصح الا الصحيح في نهاية المطاف.
[email protected]