18 ديسمبر، 2024 7:39 م

حكومة كردستانية جديدة ،وتركة ثقيلة

حكومة كردستانية جديدة ،وتركة ثقيلة

شهد إقليم كردستان بعد ٢٠٠٣ تطورا إيجابيا كبيرا وملموسا على مختلف الصعد ،سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا،و أمنيا، و خدميا ، وأصبح الإقليم بقعة جغرافبة مزدهرة ،لذلك صار ملجأ وملاذا آمنا للهاربين من جحيم الصراعات والحروب سواء في سوريا أو العراق ، وكذلك أصبح قبلة للسياح والمستثمريين الذين وجدوا ظالتهم في كردستان الآمنة ،وساهموا وبشكل كبير في بناء وتطوير البنى التحتية التي كانت شبه معدومة قبل ٢٠٠٣.

ولقد أثر ظهور تنظيم داعش سنة ٢٠١٤، و انخفاض أسعار النفط ،و الخلافات والصراعات السياسية في الداخل والخارج ، ونزوح مايقارب المليونين إنسان من المحافظات والمناطق التي احتلها تنظيم داعش وماعش في العراق وحتى في سوريا إلى إقليم كردستان ؛ أثر وبشكل كبير على حركة التطور والبناء ،و انعكس ذلك بالسلب على مظاهر الحياة اليومية للمواطنين الذين عانوا الأمرين ولا سيما طبقة الموظفين ،و ارتفعت نسبة البطالة بشكل ملحوظ ، ومع ظهور الأزمة الاقتصادية ظهرت العيوب والمشاكل والنواقص التي كانت خافية على الكثيرين ، و هي بحاجة إلى حلول جذرية وواقعية .

فقد ظهر أن حجم الفساد المستشري في الإقليم كبير جدا ومتنوع ما بين فساد إداري ومالي ،ويحتاج ذلك إلى معالجة واقعية وعملية وجدية من قبل الحكومة المقبلة ،و لولا ذلك الفساد لكان الإقليم اليوم ينافس دول متطورة كالإمارات وقطر ،ولأصبح في موقع أفضل بكثير من الذي نراه اليوم.

و اتضح أيضا ضعف الإدارة الاقتصادية للموارد الطبيعية والغير طبيعية ،بل اتضح أنه لا يوجد أصلا سياسة اقتصادية علمية مدروسة ، فالاقتصاد في الإقليم هو اقتصاد ريعي ،وأنا أسميه باقتصاد الكسالى الذين لا يملكون أي أفكار إبداعية لتطوير اقتصاد بلدانهم ، وللأسف الاقتصاد في كردستان هو اقتصاد ريعي عقيم جامد غير خلاق ،يعتمد بنسبة ٨٥٪ وربما أكثر على الموارد الطبيعية التي تستخرجها الشركات الأجنبية من باطن الأرض ؛لذلك عندما انخفضت أسعار النفط بشكل حاد اكتشفت الحكومة أنها متأخرة وبعيدة جدا عن مواكبة العصر ،و أنها بحاجة إلى أن تنوع من مصادر دخلها ،وأن تهتم ببقية القطاعات ،و لا تكتفي فقط باستخراج النفط وبيعه !
الإبداع الحقيقي هو أن تكون للحكومة مشاريع زراعية وصناعية وصحية وتعليمية وبيئية …الخ ، مشاريع متكاملة قصيرة وبعيدة الأمد تساعدها في المستقبل للوصول إلى الإكتفاء الذاتي ،ولتحقيق النمو ، ولتقليل نسبة البطالة ، لكن للأسف لم تفعل الحكومة تلك القطاعات ، وأعتمدت على الاستيراد ،وخلقت مجتمعا مستهلكا غير منتج ،فمتلأت الأسوق بالبضائع الإيرانية والتركية .

و لو تحدثنا عن الرواتب ،فيمكننا القول أن نظام رواتب البرلمانيين والرئاسات الثلاث والوزراء والدرجات الخاصة نظام غير عادل ، ويحتاج الى إعادة النظر فيه،ولاسيما الرواتب التقاعدية لهذه المناصب.إن رواتب وامتيازات الوزراء والنواب والرئاسات الثلاث الضخمة والمبالغ فيها قد أنهكت خزينة الحكومة ، ورواتبهم الضخمة حتى مع نظام الادخار كان عاليا جدا قياسا برواتب بقية الموظفين ، و كذلك أنهكت كاهل الموظفين العاديين الذين في أحسن الأحوال لا يتجاوز رواتبهم المليونين دينار ، لذلك كانوا هم أكثر المتضررين في الأزمة الاقتصادية .
الحكومة المقبلة عليها أن تعيد النظر في الموظفين الذين يتم منحهم امتيازات ورواتب عالية جدا في مقابل جهد قليل ، و أن توزع الرواتب بشكل منصف ، وعليها إذا ما أرادت أن تخفف الحمل عن الميزانية المقبلة ، عليها أن تنهي أو على الأقل تقلص الفروقات الكبيرة بين رواتب مختلف الدرجات الوظيفية ،لأنه من غير المعقول أن يكون راتب عضو في البرلمان الكردستاني (٧) ملايين دينار ماعدا الامتيازات الأخرى ،وراتب مقاتل بيشمركي أو معلم (٧٠٠) ألف .

و أيضا تبين للمسؤولين أن شجاعة قوات البيشمركة وحدها غير كافية للانتصار في المعارك ، و أن هذه القوات بحاجة ماسة إلى تدريب وتسليح عصري متطور ،ولابد أيضا من ترتيب وتوحيد مؤسسة البيشمركة ،و إبعادها عن الصراعات والخلافات السياسية_الحزبية ، والأهم من كل ذلك تحسين رواتبهم التي هي قليلة جدا ولا تتناسب مع حجم التضحيات التي قدموها و مازالوا يقدمونها!

و ظهرت أيضا أزمة أخلاقية.إن الأحزاب المعارضة في الدول المحترمة عندما تكون دولها في حالة حرب تترك خلافاتها وصراعاتها جانبا ، وتدعم حكوماتها أو دولها وتساندها لمواجهة المخاطر الخارجية ، لكن ذلك لم يحدث في الإقليم ، حيث استغلت الأحزاب السياسية الكردية (المعارضة) الحرب والأزمة الاقتصادية للنيل من الحكومة التي هي أصلا كانت جزءا منها حتى وقت قريب ، وللأسف تهربت هذه الأحزاب من المسؤولية ،وقفزت من قارب الحكومة المثقوب ،وركبت باخرة المعارضة ، وبدأت تستغل معاناة الناس من خلال تحريضهم على التظاهر في محاولة منها لكسب الشارع للانتخابات النيابية التي كانت قريبة آنذاك ، لكن لسوء حظ المعارضة أن الحركة اللأخلاقية التي قامت بها قد انقلبت ضدها،حيث خسرت مقاعد كثيرة في الانتخابات النيابية السابقة سواء في إقليم كردستان أو العراق .

الحكومة الجديدة سترث تركة ثقيلة جدا من الفساد والتخبط والفوضى والانقسامات الحادة والأزمات والمشاكل التي تراكمت واستفحلت في الأربع سنوات الماضية وما قبلها أيضا ، وعليها أن تضع برنامجا حكوميا موضوعيا و واقعيا ، وأن يكون البرنامج محكوما بتوقيتات زمنية معلومة لمعالجة الأزمات ، وإذا كانت التشكيلة الحكومية المقبلة ستكون بنفس التشكيلة التوافقية السابقة الغير منسجمة ،وبنفس العقلية فأنا لا أعتقد أنها ستكون قادرة على حل المشاكل ؛ لأن الحكومة السابقة في الأربع سنوات الماضية كانت عبارة عن حلبة مصارعة ، والأحزاب كانت تتصارع في داخلها ، والشعب للأسف كان هو الجمهور الذي يتفرج ويعاني من صراعاتهم ، كنا نأمل أن يكون الصراع على من سيخدم المواطن بشكل أفضل من الآخر لكن للأسف صراعاتهم كانت على من سيحصل على مكاسب حزبية أكثر من الآخر ، أو من سينال من الآخر أولا ، لذلك أتمنى أن تكون الحكومة المقبلة مختلفة شكلا ومضمونا عن الحكومة السابقة ، وأن تعمل كفريق واحد ، لكي تكون قادرة على إيجاد الحلول للمشاكل المستعصية ، وحقيقة لايمكن لإقليم كردستان تجاوز الأزمات الموجودة اليوم سواء السياسية منها أو الاقتصادية إلا بتوحد الأحزاب والجلوس على طاولة واحدة وتغليب مصلحة الشعب الكردستاني على مصالحهم الحزبية الضيقة ، ماعدا ذلك سنبقى ندور في دائرة مفرغة ، وبطبيعة الحال سيكون المواطن هو الخاسرالأكبر.