مائة يوم أنقضت على حكومة مصطفى الكاظمي التي صممتها الشراكة الامريكية الإيرانية بعجالة لتكون كاملة بوزرائها ٬ دون ان يسفر عنها صدور أي قرار او اجراء يحمل رسالة للعراقيين الذين ينتظرون مع كل حكومة من ينقذهم ويخفف من أثقال مصاعبهم وهمومهم المتراكمة منذ غزو العراق٬ وذلك رغم الوعود التي قطعها رئيس الوزراء عند تكليفه برئاسة الوزراء ليستمر في نفس نهج اسلافه الذين توالوا على الحكم واجزلوا عطاء كلام الإصلاح والتخلص من الفساد والضرب بيد من حديد على الفاسدين دون ان يتجرأ أيا منهم بالتقدم ولو خطوة واحدة بهذا الاتجاه بل انه مع كل حكومة تطوى ملفات فساد جديدة٬ ويتسع فيها قتل العراقيين والتغاضي عن المجرمين والجناة الذين يعيثون في بلاد الرافدين دمارا ما بعده دمار.
استهل رئيس الوزراء الكاظمي بداية حكمه باختيار فريق اعلامي من الصحفيين والمستشارين لتسويق حكومته وصورته للشعب العراقي يتناوبون على التصريحات ويتكلمون باسمه تارة وأخرى لتوصيف تحركاته او عدمها حسب الحاجة والمناسبة لإظهاره بنوع من “المصداقية والديناميكية” ٬ كما تم وفي اليوم التالي لتسلمه رئاسة الوزراء أنشاء عدة صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي للترويج له كمنقذ للعراق وصاحب الأفكار السديدة في مكافحة الفساد والمليشيات والسلاح المنفلت وإعادة هيبة وسيادة الدولة العراقية ٬ كما تم ترويج انتخابه رئيسا للعراق بنظام رئاسي بدلا عن النظام البرلماني الحالي ليتمكن من الإمساك بقوة بالعراق الذي يحتاج حاكما مثله ! لكن هذا الفريق من المستشارين والإعلاميين لم يسعفه في أي من الاحداث العديدة التي وضعت شخصه وكل حكومته على المحك أولها احتلال المليشيات الولائية لمقره في المنطقة الخضراء بعد اعتقال ما يسمى “بمليشيات الكاتيوشا” التي تطلق الصواريخ قرب السفارة الامريكية ٬ حيث رفض رئيس مكافحة الإرهاب امر اعتقالهم ومن ثم قامت هذه المليشيات باحتلال مقره واجباره على أطلاق سراح رفاقهم ليقوموا بعدها بنشر فديو يظهرهم وهم يدوسون بالاقدام علي صورة قائدهم العام ٬ تبع ذلك اغتيال الخبير والمستشار المقرب منه هشام الهاشمي والذي يعمل منذ سنوات في الدوائر الأمنية. لقد تعهد مصطفى الكاظمي لعائلة الهاشمي التي زارها بهذه المناسبة باعتقال القتلة الذين أظهرت الكاميرات تعقبهم للقتيل واغتيالهم له في نفس الليلة. انتظر العراقيون ان يتجرأ الكاظمي على تنفيذ وعده ويلقي القبض على المجرمين ويحاسبهم لكن ظنهم كان في محله من انه لن يواجه المليشيات ولن يتمكن من محاسبة أي منتسب لها. وتفاجأ الصحفيون في المؤتمر الذي عقده احد مستشاري الكاظمي من قوله بأن الرئاسة لديها الان أسماء الشهداء وسألوه بأن المطلوب أسماء ومحاسبة القتلة لان أسماء الشهداء معروفة للجميع !
وحينما تم اغتيال الدكتورة رهام يعقوب الناشطة من مدينة البصرة التي كان لخبر اغتيالها أصداء دولية واسعة وصلت للبيت الأبيض دفعت الكاظمي للتوجه الى بيت عائلتها مباشرة وهو بطريق عودته من واشنطن بعد توقيع تجديد الوجود العسكري في العراق٬ لكن كل ما قام به من اجراء هو إقالة مدير شرطة البصرة المعروف بولائه للمليشيات. أما عائلة رهام فلم تطلب من الكاظمي أي شيء لكن والدها تحدث في فديو يناشد السفارات الأجنبية بإعطائه فيزا لمغادرة العراق للحفاظ على بقية أولاده واسرته من الاغتيالات! اما أكثر رد فعل سيء حصل عليه الكاظمي هو إعلانه قبل أسبوع عن الحملة العسكرية المسماة “بالوعد الصادق ” لضبط السلاح المنفلت في العراق الذي يتعدى سبعة ملايين قطعة بحسب الخبراء العسكريين العراقيين ٬فالطبيعي ان تكون هذه الحملة مباغتة لضمان نجاحها وفعاليتها ٬او ان يقوم وزير الدفاع والداخلية بنفس ما قامت به القوات الامريكية قبل سنوات في بغداد حينما جمعت السلاح مقابل مبلغا من المال او بعملية من هذا القبيل٬ لا ان يقوم فريقه الإعلامي بالترويج لها قبل أسبوع. ليس ذلك فحسب بل ان نتيجة هذه العملية التي أعلن عن مشاركة مختلف صنوف القوات العسكرية والأمنية فيها وصرفت عليها الأموال والجهود وانشغل بها الاعلام أيام٬ كانت هزيلة ومضحكة ٬ اسفرت عن تفتيش مناطق أبو الخصيب والزبير حصرا وهي مناطق خالية من المليشيات٬ ومصادرة أسلحة شخصية واعتقال بعض الافراد٬ بينما كل مشاكل البصرة هي في مناطق تحتلها المليشيات الولائية وخاصة ارصفة الميناء وتمتلئ بمخازن واكداس السلاح المنفلت وتجارة المخدرات ومنظمات خارجة عن الدولة .كذلك تجنبت هذه القوات الذهاب الى الأماكن الخطرة التي لا يستطيع الكاظمي نفسه من الدخول اليها مثل جرف الصخر التي تعتبر قاعدة عسكرية إيرانية سبق لوزير داخلية هو محمد الغبان ان منع من الدخول اليها وتم اعتقاله فيها عدة ايام ٬ ونفس الشيء جرى في مدينة بغداد حيث تم القبض على عدد من الأشخاص من مناطق فقيرة ووضع اليد على كمية قليلة جدا من أسلحة بسيطة منها مسدس وثلاثة كلاشينكوف وبندقية وبعض عتاد ! هذه العملية تشبه بالضبط ما قام به الكاظمي بصدد امساك المنافذ والنقاط الحدودية التي ذهب لزيارتها وصور فريق حملته الزيارة على انها عملية لاستعادة هذه المنافذ من المليشيات وسماسرة السلاح والمخدرات وظهر فيما بعد ان لا صحة لكل ذلك.
لا تبدو المليشيات الخارجة عن الدولة ولا الاغتيالات والسلاح المنفلت ولا الفساد او الإصلاح او توفير الحد الأدنى من الخدمات او تنفيذ بعض مطالب المتظاهرين والاف الخريجين والاف الناس في ارجاء العراق من أولويات رئيس الوزراء او من حكومته بل الاولوية كانت في توقيع تثبيت وتجديد بقاء قوات الولايات المتحدة في العراق إضافة الى التهيئة مبكرا لانتخابات في نوع من حالة هروب الى الامام من تنفيذ استحقاقات مطالب المتظاهرين وعموم الشعب في حياة اكثر كرامة٬ حتى دون اية تعديلات على قوانين الأحزاب والانتخابات وانشاء مفوضية انتخابات جديدة مستقلة بعيدة عن الأحزاب يمكن للشعب تقبلها وحتى هذه الإجراءات لا تبدو ممكنه بسبب رفض الأحزاب لأي تغيير يمس هيمنتها.
أكثر من أي وقت مضى تظهر العملية السياسية عملية تدمير وابادة للعراق وشعبه وليس حكومة ديمقراطية جاءت لخدمة مواطنيها ٬ في كل مرة تفصح عن حقيقتها اكثر واكثر للمواطن العراقي البسيط ولأداء ممثليها ٬ وقد زاد على صورة العملية الساقطة حملة فريق رئيس الوزراء الإعلامي الذي فشل فشلا ذريعا في تجميل وتسويق حكومة الكاظمي رغم وجود أسماء معروفة إعلاميا لكن ما هو صحيح أيضا ان اية حملة مهما كانت فعالة لا يمكنها انقاذ صورة حكومة فاشلة على الأرض يراقب تحركاتها وتصرفاتها ملايين من أبناء شعبنا الثائر وشبابه الذين فهموا لعبة الاحتلال ووكيله الإيراني وكل خدعه لنهب وسرقة وتدمير العراق دولة وشعبا وبكل الطرق والوسائل المتاحة.
توجه شباب العراق في الناصرية وذي قار والبصرة الى طرق جديدة للتخلص من هذه الطغمة الحاكمة ومن ورائها باستخدام الشفلات -البلدوزر- لتهديم مقرات الأحزاب والمسؤولين عن الفساد ونهاب المال العام والتصدي للمجرمين والقتلة ومن يغتال الناشطين والمتظاهرين كلها خطوات متقدمة وجديدة في طريق تحرر العراق وشعبه ومساندة الثورة تعم العراق بالتحاق المحافظات الشمالية وخروج أبناء شعبنا في مدنها تندد بصوت واحد ضد طبقة الاحتلال للتخلص منهم وبناء حياة كريمة لكل العراقيين من شماله الى جنوبه.