18 ديسمبر، 2024 10:02 م

حكومة عبد المهدي ومهمة الحفاظ على الحياد الإيجابي

حكومة عبد المهدي ومهمة الحفاظ على الحياد الإيجابي

المشهد السياسي تحكمه توافقات معدة سلفا، هذا هو الانطباع الذي قد يتبادر الى الذهن فور التمعن بالتشكيلة الوزارية التي أفرزتها حكومة عبد المهدي ، غير ان هذا التوافق سرعان ما يكشف عن كثير من التحالفات التي يمكن ان تتداعى مع اول عاصفة تهدد مصالح اي من تلك الأطراف التي أوجدت توافقات بصيغة مختلفة عن سابقاتها في المراحل التي انقضت . التوافقات الجديدة وان كانت الصبغة العامة لها هي المحاصصة السياسية غير ان طابع الأغلبية البرلمانية كان طاغيا على المشهد بعد ان نجح السياسيون في إيجاد عناوين جديدة لتحالفات عابرة للمسميات الطائفية تبدو للوهلة الاولى قوية ومتماسكة لكن مستقبلها قد لا يخلوا من مفاجئات غير سارة . هذا التوافق يدعم الى حد كبير توجهات الحكومة الجديدة في التنمية والإصلاح لانه سيسهم بايجاد بيئة ملائمة لتنفيذ برنامجها الحكومي في إطار انسجام متوقع في اداء السلطتين التشريعية والتنفيذية .
التأثيرات الخارجية والعوامل الإقليمية ستكون حاضرة هي الاخرى ضمن معادلة المشهد العراقي ، وقد تزداد تأثيراتها داخليا من خلال تباين مواقف الحلفاء بشأن المواقف الحكومية من القضايا الدولية والإقليمية وربما سيكون البرلمان ساحة للتصارع السياسي والتنفيس عن وجهات النظر بشأن طبيعة التحالفات الخارجية وتأثيرها في مصالح مختلف الأطراف . غير ان هذه الرؤية قد تعمل الأحزاب على تجنب حدوثها فهي مغايرة لمتطلبات المرحلة الحالية التي تستلزم من القوى السياسية التخلي عن اُسلوب اثارة الرأي العام وتحريك الجماهير لتحقيق مكاسب سياسية ، خصوصا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار حراك الشارع المتصاعد باتجاه تحريك عجلة الاحتجاجات ورفع سقف مطالب الجمهور للحكومات بتوفير الخدمات ومحاربة الفساد الذي تتهم به جهات داخل الأحزاب السياسية والذي تسبب في تراجع ملحوظ لمستوى الخدمات المقدمة للمواطن على مدار السنوات الماضية .
ما يميز المشهد السياسي الحالي بروز قوى جديدة صعد نجمها خلال فترة الحرب على الارهاب وطرد فلول داعش من المدن العراقية لتنخرط في العمل السياسي بخلفيات عسكرية مدعومة بتحالفات إقليمية . تلك التحالفات تفتقر غالبا الى مراعاة التوازن الإيجابي بين القوى الدولية والإقليمية ، فهي تندفع باتجاه واحد الامر الذي قد يتعارض مع سياسة الحياد الإيجابي في العلاقات الدولية التي أسست لها حكومة الدكتور حيدر العبادي الذي نجح في المرحلة السابقة بكسب تأييد جميع دول الجوار الإقليمي بالاضافة الى الدعم الدولي في وقت كان فيه العراق احوج ما يكون الى ذلك الدعم .
الجهات الدولية تحاول كسب تلك القوى السياسية الناشئة عن طريق وسطاء ، مهمتهم فتح قنوات اتصال غير مباشرة لتقربهم منها ولا تشترط عليهم عادة التخلي عن تحالفاتهم الإقليمية لكن غالبا ما تبوء تلك الوساطات بالفشل . بعض من حلفاء هذه القوى السياسية تربطهم علاقات مع قوى دولية هم احرص على الحفاظ عليها من حرصهم على التحالفات القائمة . هذا الامر يعيدنا ربما الى الاحتمالية السابقة بأن تصبح الساحة السياسية العراقية ميدانا لتصفية الحسابات الخارجية اذا ما تصاعدت حدة الخلافات الدولية والإقليمية وتراجع الخطاب الوطني .