جميع الكتاب والمحللين ووسائل الأعلام وصفحات التواصل الإجتماعي مشغولين خلال هذه الفترة بتشكيل الحكومة العراقية ، وما هي الكابينة الوزارية بصيغتها النهائية بعد تصويت مجلس النواب بالإقرار على حوالي ( ٦٤٪) من الكابينة الوزارية ، أي ١٤ وزير من مجموع ٢٢ وزير . وأنقسم المهتمون بالشأن العراقي ما بين داعم بشكل إيجابي لمجريات الأمور وما بين مشكك بشكل سلبي أو غير متفائل بهذه الحكومة . المشكلة الرئيسية هنا هي إن معظم هؤلاء الكتاب والمحللين ووسائل الإعلام يستندون الى ظروف ومعطيات الواقع الحالي متناسين تماماً واقع العراق منذ عام ٢٠٠٣ وما أفرزته مراحل الحكم التي توالت منذ ذلك التاريخ من مشاكل وأحداث وظروف ومعطيات وتناقضات أطرت الواقع العراقي وجعلت من العملية السياسية عموماً عبارة عن شبه مسرحية معروفة ومشهورة بأحداثها وشخوصها ومشاهديها .
أين هو الإختلاف لما يجري من فصول هذه المسرحية بما جرى في تشكيل الحكومات السابقة . الجميع يعلم إن نظام الحكم ( ولو إنه تحت مسمى النظام الديمقراطي) يستند أولاً وأخيراً على المبدئ الطائفي والإثني ( ش ، س ، ك ….) ، ويعتمد أيضاً على مبدأ المحاصصة ، والأهم من ذلك يخضع كلياً للمفهوم الديني سواء تحت عباءة المرجعية أو تحت مظلة الإسلام السياسي . إنها عبارة عن أربعة سنوات قادمة شبيهة في مقوماتها ونتائجها بالأربع سنوات التي مضت والتي سبقتها وسبقتها. رئيس وزراء ( شيعي ) ورئيس برلمان ( سني ) ورئيس جمهورية ( كردي) ، ونائب عن هؤلاء تركماني ومسيحي وصابئي وووو الخ . لماذا لا يكون رئيس الوزراء ( عراقي أو عراقية ) ورئيس البرلمان ( عراقي أو عراقية ) ورئيس الجمهورية ( عراقي أو عراقية ) .
إن ما جرى في جلسة البرلمان للمصادقة على الكابينة الوزارية لا يعكس أي تغير حقيقي في النهج السياسي ، أول شيء كانت الجلسة شبيه بالندوة ،المحاضر فيها عادل عبد المهدي يستعرض بحثه الموسوم ” البرنامج الحكومي ” ومقدم الندوة يطلب اكثر من مرة من المحاضر أن يختصر الوقت لإنهاء محاضرته لأن الحاضرين غير مكترثين بالموضوع ولا تعنيهم المحاضرة لا من بعيد ولا من قريب والأدل على ذلك عدم خضوع البرنامج الحكومي للنقاش حتى ان البعض كان يتحرك في القاعة ذهاباً وإياباً مما دفع برئيس الجلسة أن يطلب من الحاضرين الجلوس في أماكنهم وعدم المغادرة وكأن المشهد في مدرسة إبتدائية .
في ضوء كل المعطيات ، يمكن القول بأن الحكومة برئاسة عادل عبد المهدي ستحاول جهدها خلال الستة أشهر الأولى بإتخاذ عدد من الإجراءات الترقيعية في بعض المجالات التي تخص الإحتياجات الأساسية للمواطنين ( وهي إجراءات تخديرية وقتية لإسكات المواطنين ) ، لأنه من المنظور الإقتصادي يصعب بل يستحيل معالجة العديد من المشاكل التي يعاني منها العراق دفعة واحدة وذلك لمحدودية الموارد الإقتصادية والمالية والبشرية عموماً. قد تتحسن المنظومة الكهربائية بعض الشيء وتحسين نسبي في مياه الشرب الصحي وبعض التقدم في مجال الطرق والنقل ، إلا إنه من الصعوبة بمكان معالجة مشكلة السكن وإعمار المدن المدمرة لمتطلباتها المالية والمادية الكبيرة والتي تخرج عن الإمكانات المتاحة . كذلك سيبقى تردي الجانب الصحي والتعليمي دون معالجة حقيقية لأسباب عديدة سواء مادية منها أو فكرية أو عقائدية . وبالنسبة للقطاعات الإنتاجية فسوف تفشل الحكومة في توفير مستلزمات تطوير القطاع الزراعي والثروة الحيوانية والقطاع الصناعي . وستكون نتيجة ذلك زيادة مشكلة البطالة وما يتبعها من مشاكل إجتماعية عديدة .
إن الحكومة الحالية ستفشل في تحقيق الأهداف التي وضعتها ضمن البرنامج الحكومي لها خلال الأربع سنوات القادمة ، بالرغم من بعض المآخذ عليه ، وهذا الفشل ناتج من طبيعة تشكيل الحكومة من ناحية وتراكم المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والأمنية المتوارثة عن الحقب الزمنية السابقة التي تربعت عليها أحزاب الإسلام السياسي من ناحية أخرى . ستبقى سيطرة الأحزاب والعشائر ذات الأجنحة المسلحة في المجتمع ، وسيبقى الفساد الإداري والمالي كما هو دون معالجة ، وستتعمق المشاكل بين الحكومة الإتحادية والإقليم دون حلول جوهرية ، وسيتأثر العراق بمشاكل الدول الإقليمية بشكل أكبر ، الى جانب إحتمال تردي الأوضاع الأمنية خصوصاً مع إستمرار إنتشار السلاح بشكل منفلت وعجز الحكومة عن حصر السلاح بيد الدولة . ستتوضح كل هذه الأمور بعد الستة أشهر من عمر الحكومة برئاسة عادل عبد المهدي .