يقول افلاطون ….قمة الادب ان يستحي الانسان من نفسه ..!!
كنا قد نبهنا مرارا الى الزلزال الذي سيهز العراق اذا ما استمر الحال على ما هو علية من فتنة وتحريض للطائفية التي تدق لها الطبول من دعاتها المختبئين تحت ظلال الحصانة السياسية والبرلمانية ، ما حدث خلال الايام القليلة الماضية في بغداد والمناطق المحيطة بها ، وما يحدث الان في ديالى والبصرة هي بداية لفتنة لم نشهد لها مثيلا في تاريخ العراق ، الشيعة تقتل بالسنة جملة ومفرد ، وكذلك السنة تحصد بأرواح الابرياء من الشيعة ، والمصيبة تكمن في استمرارية هذا المسلسل الدموي المخيف في عموم مدن العراق ، وتحت انظار الاجهزة الامنية المنتشرة في كل مكان ، باستثناء مدن اقليم كوردستان التي تعمل اجهزتها الامنية بمهنية عالية ، وتتصرف وفق ما تمليه عليها واجبها الوطني والقومي ، ولا تتأثر بالضغوطات السياسية والحزبية كما يحصل في بغداد والمدن العراقية الاخرى…
السؤال هو الى متى يسمع العراقيون بأسطوانة التنديد التي يطلقها السياسيون عقب كل عملية غادرة تدمي قلوبهم وتخطف منهم الاعزاء دون ان يرتكبوا جريمة يستحقون بها هذا الموت البشع ..؟؟ ألا يخجل قادة الاجهزة الامنية وهم يخرجون على الفضائيات ليحدثوا عن اجراءات بغلق المنافذ بوجه (الارهاب) ..؟؟ في حين هو الذي اثبت بمرور الزمن انه الاقوى على مباغتهم ، بل وهو الاقدر على تحدى الحكومة حتى في عقر دارها..؟؟ المتابع لسير الاحداث في العراق يدرك دون عناء مدى حجم الفجوة العميقة بين قادة الاجهزة الامنية ووزارة الداخلية حيث يقف كل طرف على بعد المسافة كبيرة عن بعضهما البعض بسبب الانتماء المذهبي ، لذلك نجد كل طرف يعمل وفق الوصايا المفروضة عليه التي لا يمكن التجاوز عليها ، بمعنى ان الانشقاق الحاصل بين الطرفين واضح جدا ويلتمسه الشارع العراقي من خلال ما تشهدها الساحة العراقية من خروقات امنية كبيرة نتيجة لعدم وجود تنسيق متكامل الذي من شانه ان يمنع الحدث قبل وقوعه ، ولهذا فان المواطن العراقي أصابه الياس والاحباط من جراء اللغز المحير في اداء الاجهزة الامنية التي فشلت تماما في حماية المواطن رغم كل الاجراءات الاحترازية لمنع وقوع العمليات الارهابية ، الا ان الارهاب استطاع ان يخترق كل الحواجز ويفعل فعلته في وضح النهار متحديا بذلك قوة الحكومة وجيشها الجرار الذي يقول عنه المواطن العراقي بان نصف سكان بغداد هم من الشرطة والجيش ، اضافة لعدد الحواجز ((الكونكريتية)) التي تتجاوز اضعافا مضاعفة بعدد أعمدة الكهرباء ..
خلاصة القول ان الوضع المتردي للعراق ، وانعدام الأمن والأمان وحالات الفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة بلا استثناء ، و لا يمكن فصلها عن ما يعانيه السياسيون أنفسهم فهم يتعاملون مع البعض على مبدأ (بالوجه مرايا و بالكفه سلايا) ولا يثقون بعضهم ببعض ، وان اتفقوا فهم مختلفون من الاعماق ، وكل ما يثيره البعض حول الاتفاقات الجانبية ، وطرح الافكار بشان الخروج من الازمات الخانقة فهي (نفخ في الهواء وحبر على الورق ) ولا يتعاملون بها باي شكل من الاشكال ….
اذن فلا غرابة ان نجد ان الامور تتجه صوب ما هو أخطر خصوصا ان الاطراف كلها قد أعدت العدة لمواجهة ما سيتمخض عنها الاوضاع سوريا التي من شأنها ان تزيد من الاوضاع في العراق أكثر سوءا ، وتعمق من شدة الصراع السياسي والمذهبي ، في وقت وبوادر الفتنة بدأت تظهر في بغداد والمناطق المحيطة بها وكذلك في البصرة وديالى التي اصبحت مسرحا لجرائم طائفية تندى لها الجبين ، والحكومة تأخذ جانب الصمت ازاء كل هذه الاحداث بسبب انشغالها في جنوبي بغداد بمهام لا تختلف من حيث الهدف عن ما يجري في تلك المدن التي تترنح تحت ضغوطات طائفية ومذهبية ….
لذلك نعتقد ان الحلول ومعالجة هذه الازمات لا يمكن ان يكون الا بإعادة النظر في هيكلية المؤسسات الامنية والاستخبارية على اسس المهنية والمسلكية ، وتطهيرها من العناصر التي لا تقيم وزنا لمسالة الانتاء الوطني ، لا تراعي قيم العدالة والمساواة في مهامها ، بمعنى ان الازدواجية في عمل افرادها تؤكدها الاعتقالات العشوائية على الاساس المذهبي ، وأن انقاذ البلد من ما يعانيه ، هي مسالة وطنية قبل ان تكون مسالة فرض ارادات اقليمية ودولية التي لا تصب الا في مصلحة الافراد والجماعات …..