جميع الشخصيات التي كُلفت بتشكيل حكومة جديدة بدلًا من حكومة عبدالمهدي ، وآخرها الحكومة الحالية التي شكّلها السيد الكاظمي ، تضع ضمن أولويات برنامجها ( اجراء انتخابات مبكرة نزيهة) ، ولعل الانتخابات المبكرة ليست كلامًا يُرمى على عواهنه ، بل ينبغي الرجوع الى أبرز الخطوات التي يجب اتخاذها للوصول الى انجاز هذه الانتخابات ، لاسيما مع التحديات الكبيرة التي تواجه حكومة السيد الكاظمي بعد أن إستلمت تركة ثقيلة من سابقتها.
ولعل الخطوة الأولى في إجراء الانتخابات المبكرة – أي قبل موعدها المحدد منتصف عام 2022- تستدعي حّلْ مجلس النواب ، وهي أول معضلة يمكن أن تواجه هذا النوع من الانتخابات ، لاسيما وسط الخلافات التي تزداد إحتدامًا بين الاحزاب السياسية يومًا بعد آخر ، إذ لابد من إتبّاع ما نص عليه الدستور العراق في مادته (64) منه والتي نصت على ” أولاً : يُحل مجلس النواب، بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث اعضائه، او طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية.” فاذا تم ذلك يجري الانتقال الى الخطوة الثانية في الفقرة (ثانيًا) من نفس المادة وهي التي تنص على : ” يدعو رئيس الجمهورية ، عند حّلْ مجلس النواب ، الى انتخاباتٍ عامة في البلاد خلال مدةٍ أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل ، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ليواصل تصريف الامور اليومية” .
أما الخطوة الثانية المطلوبة لاجراء الانتخابات المبكرة ، فهي تتمثل بإكمال تشريع قانون الانتخابات الذي صوّتَ عليه مجلس النواب في 14/12/2019 ، إلا انه أحال البيانات المتعلقة بالدوائر الانتخابية (على مستوى الاقضية) الى وزارة التخطيط ومفوضية الانتخابات من أجل تزويد مجلس النواب بها ومن ثم إرفاقها مع نص القانون قبل إرساله الى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية ، ولابد من التنويه هنا الى ان هذا الامر لن يحسم إلا بالرجوع الى إعتماد (المحافظة كدائرة انتخابية) بسبب مشاكل فنية ستواجه المفوضية في الوقت الحاضر اذا ما كُلفت بإعتماد القضاء. هذا فضلًا عن مواد أخرى في القانون هي الأخرى بحاجة الى إعادة نظر فيها.
ولعل إجراء انتخابات نزيهة وعادلة يستدعي أيضًا إعادة النظر في قانون مفوضية الانتخابات الذي صدر عن مجلس النواب ونُشرَ في جريدة الوقائع العراقية يوم 30/12/2019، لكي لا يُعاد سيناريو إنتخابات 2014 وإنتخابات 2018 ، وهو ما نشاهده اليوم من إعتراضات على تعيينات من نواب للمفوضية بإتهامها إتباع منهج المحاصصة المقيت. فضلًا عن ذلك ، فإنّ قانون الاحزاب السياسية هو الآخر بحاجة الى تعديل وتشديد الإجراءات المتعلقة بإستخدام المال السياسي في الانتخابات وتجريد ونزع أسلحة الاحزاب المشاركة في الانتخابات ، وتطبيق كل ما يرد في مواد القانون فعلًا وليس فقط النص عليها نظريًأ. والمفوضية هي أيضاً بحاجة الى ميزانية انتخابية تُقر في الموازنة العامة للدولة التي لم يُصّوت عليها لغاية اليوم رغم مضي ما أشهر طويلة عليها على موعد إقرارها والتصويت عليها في البرلمان.
وتبقى مسألة الخلاف بين المحكمة الاتحادية العليا ومجلس القضاء الاعلى معضلة بحاجة الى حل عاجل ، فقد أصدر الأخير توضيحًا يوم 28/1/2020 بشأن تسمية قاض بديل في المحكمة الاتحادية ، وفاتحَ مجلس القضاء رئاسة الجمهورية لإلغاء المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين القاضي البديل عضوًا أصليًا في المحكمة الاتحادية ، كما قرر في الاعمام الى المحاكم كافة بعدم العمل بأي قرار يصدر عن المحكمة الاتحادية إذا كان القاضي المذكور عضوا في تشكيلتها لعدم صحة عضويته – بحسب رؤيتها – مما يترتب عليه أن يكون أي قرار صادر عنها بتلك التشكيلة قرارًا معدومًا من الناحية القانونية ، فمن سيصادق على نتائج الانتخابات في هذه الحالة ؟ وهي التي نصت عليها المادة (93/ تاسعًا) من الدستور والمتعلقة باختصاصات المحكمة الاتحادية العليا ، على أن هذه المحكمة معنية ” بالمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب”.
كما أن توفير بيئة آمنة في جميع المناطق ، يعد أمرًا مهمًا من أجل تحقيق انتخابات نزيهة وعادلة تحافظ على صوت الناخب والمرشح على حدٍ سواء .
فهل ستستطيع حكومة السيد الكاظمي تذليل هذه الصعوبات ومواجهة التحديات الجمة بالتنسيق مع مجلس النواب ومفوضية الانتخابات وبقية الجهات المعنية بالأمر ، التي أشرنا اليها آنفًا من أجل إجراء انتخابات مبكرة نزيهة وعادلة ؟
المدير العام الأسبق للعمليات في مفوضية الانتخابات