22 نوفمبر، 2024 11:26 م
Search
Close this search box.

حكومة العراق السابعة.. تحديات كبيرة وفرص قليلة

حكومة العراق السابعة.. تحديات كبيرة وفرص قليلة

بمنح مجلس النواب العراقي الثقة لرئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي وكابينته الوزارية ليلة السابع من شهر ايار-مايو الجاري، تكون عقدة تشكيل الحكومة قد انفكت بعد اكثر من خمسة شهور على تقديم رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي استقالته، استجابة لضغوطات الشارع والمرجعية الدينية.

ما اخفق فيه كل من محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي نجح فيه الكاظمي، لتبدأ مرحلة جديدة حافلة بالكثير من المخاطر والمصاعب والعقبات والتحديات غير المسبوقة.

و خلال السبعة عشر عاما المنصرمة، وبعد الاطاحة بنظام صدام، تناوب على منصب رئاسة الوزراء في العراق ست شخصيات، وتشكلت سبع حكومات.

في منتصف عام 2004 تشكلت الحكومة الاولى، والتي عرفت بحكومة مجلس الحكم برئاسة الامين العام لحركة الوفاق الوطني اياد علاوي، حيث استمرت حوالي عشرة شهور، لتتشكل بعدها الحكومة الثانية برئاسة القيادي السابق في حزب الدعوة الاسلامية ابراهيم الجعفري، على ضوء نتائج انتخابات الجمعية الوطنية الانتقالية التي جرت مطلع عام 2005، وفي شهر ايار-مايو من عام 2006 تشكلت الحكومة الثالثة برئاسة القيادي الاخر في حزب الدعوة الاسلامية نوري المالكي، وفق نتائج ومعطيات اول انتخابات برلمانية جرت في العراق اواخر عام 2005 بعد اقرار الدستور الدائم في الخامس عشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر من ذلك العام، وفي عام 2010 تشكلت الحكومة الرابعة برئاسة المالكي مرة اخرى بعد شد وجذب دام تسعة شهور، وفي عام 2014، لم يفلح المالكي في اقناع الفرقاء السياسيين بالقبول به لولاية ثالثة، لذلك اوكلت مهمة تشكيل الحكومة الخامسة للقيادي الاخر في حزب الدعوة ووزير الاتصالات الاسبق حيدر العبادي، وفي عام 2018 وجد الاخير نفسه خارج معادلات الاستحقاق الرئاسي الجديد، ليؤول امر تشكيل الحكومة السادسة الى القيادي السابق في المجلس الاعلى الاسلامي العراق ونائب رئيس الجمهورية ووزير المالية والنفط الاسبق عادل عبد المهدي، ولم يمر عام على تصديه للمنصب حتى وجده نفسه محاصرا بأجواء سياسية وشعبية ضاغطة جدا، عبرت عنها التظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت في عدة مدن عراقية مطلع شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، الامر الذي اضطره الى تقديم استقالته في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الماضي، لتتحول حكومته الى حكومة تصريف اعمال يومية بصلاحيات محدودة ومحددة، واستمر الحال على ذلك المنوال لاكثر من خمسة شهور، تم خلالها تكليف الوزير الاسبق محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة واخفق في ذلك جراء مقاطعة اغلب اعضاء البرلمان لجلسة منح الثقة لكابينته الوزارية، ومن ثم تكليف النائب الحالي ومحافظ النجف السابق عدنان الزرفي بالمهمة، وقد اخفق هو الاخر بعد ان قدم اعتذاره عند منتصف الطريق نتيجة مقاطعة ورفض القوى الرئيسية له، وبذلك انتهى الامر الى تكليف رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة الجديدة وسط شكوك كبيرة بأخفاقه هو الاخر بأنجاز المهمة، بيد انه نجح في تبديد مجمل تلك الشكوك ونجح بما فشل به علاوي والزرفي.

الكاظمي(53 عاما)، رئيس الوزراء العراقي السادس بعد الاطاحة بنظام الحكم الديكتاتوري عام 2003، يعد الاصغر سنا من بين اسلافه، وهو خلافا لعلاوي الجعفري والمالكي والعبادي وعبد المهدي، لم يمارس العمل السياسي في اطار حزبي معين، رغم مغادرته العراق منذ عام 1985، ولم يتصد لمواقع حزبية متقدمة، ولاحتى لمواقع حكومية قبل ترؤسه لجهاز المخابرات في شهر حزيران-يونيو من 2016، حيث انه من خلال ذلك الموقع خبر كل دهاليز الوضع العراقي، فضلا عن نجاحه في التأسيس لشبكة علاقات واسعة داخليا وخارجيا، مستفيدا من شخصيته الهادئة المتزنة وقدرته على ادارة وتوجيه الازمات والتقريب بين الفرقاء..

ومع ان هناك من يرى ان الصيغة التي جاء بها الكاظمي لسدة الحكم في العراق، وعموم الاجواء والتفاعلات المحيطة بظروف تكليفه بتشكيل الحكومة ومن ثم نيلها ثقة البرلمان، لاتختلف عن صيغة تولي سابقيه للمنصب التنفيذي الاول، الا ان هناك رؤية اخرى تبدو متفاءلة الى حد ما، انطلاقا من حقيقة الدعم والاسناد والتأييد الذي حظي به الكاظمي داخليا وخارجيا-لاسيما من الغريمين الرئيسيين، الجمهورية الاسلامية الايرانية والولايات المتحدة الاميركية-

فأضافة الى خلفيته السياسية وبعده عن الاجواء الحزبية، وعدم اصطدامه مع الاخرين، لا في السابق ولا بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، فأنه اطلق اشارات ايجابية تبدو مطمئنة بقدر معين لمختلف الاطراف، دون ان يعني ذلك استبعاد فرضية حصول تأزم وتأزيم بعد فترة من الزمن بفعل تقاطع المصالح، وتداخل الملفات، وتشابك الاجندات.

وربما يدرك الكاظمي اكثر من غيره، ان التهدئة بين واشنطن وطهران يمكن ان تشكل المفتاح الرئيسي لنجاح مهمته، وهو ما سيعمل عليه من خلال الاستعانة بحلفاء واصدقاء كلا الطرفين في داخل العراق وخارجه، وقد تكون الظروف الضاغطة التي اوجدتها جائحة فايروس كورونا والانخفاض الحاد بأسعار النفط، ووجود رغبة نسبية بأحتواء الازمات الاقليمية وتطويقها ان لم يكن ممكنا تصفيرها بالكامل، عوامل مشجعة وساندة لرئيس الوزراء العراقي الجديد، بعبارة اخرى ان التهدئة الداخلية محكومة ومرتبطة بتهدئة خارجية، لعل بعض ملامحها ومعالمها لاحت في الافق بعد الولادة القيصرية لحكومة الكاظمي، حينما اعلنت واشنطن السماح لبغداد بأستيراد الكهرباء والوقود من طهران لمدة اربعة شهور اضافية، حيث جاء في بيان للخارجية الاميركية انه “دعما للحكومة الجديدة، ستمضي الولايات المتحدة قدما في منح استثناء لمدة 120 يوما لاستيراد الكهرباء من ايران، تعبيرا عن رغبتنا في المساعدة في تهيئة الظروف المناسبة للنجاح”، علما ان هذا الاستثناء يتيح للعراق مواصلة استيراد حوالي 1400 ميغاواط من الكهرباء و28 مليون متر مكعب (988 مليون قدم مكعب) من الغاز من إيران.

في مقابل ذلك، فأن الحكومة العراقية الجديدة تواجه حزمة تحديات كبيرة وخطيرة في الجوانب السياسية والامنية والاقتصادية، وتقع على عاتقها مهام ثقيلة، تتطلب ان تكون هناك رؤية علمية وعملية وخارطة طريق واضحه لمختلف مساراتها وتوجهاتها، وطبيعي ان المنهاج الوزاري يفترض ان يتضمن الخطوط والاتجاهات العامة لعمل الحكومة وفق مقتضيات المرحلة الراهنة وترتيب الاولويات، وهذا ما شددت عليه اطراف مختلفة، حينما اشرت الى مواطن الضعف والخلل والنقص في المنهاج الوزاري لحكومة الكاظمي.

وهذه خطوة اساسية ومهمة، ترتبط بها خطوة اخرى لاتقل اهمية عنها، الا وهي طبيعة الكابينة الوزارية، من حيث كفاءة وقدرة ونزاهة اعضائها، لان المنهاج الوزاري والكابينة الوزارية هما الجناحان اللذين يمكن ان تطير بهما الحكومة، وبالتالي تحقق النجاح المطلوب والمرجو منها. فضلا عن عدم الخضوع للاجندات والمشاريع والمصالح الحزبية والفئوية الخاصة.

توجيهات المرجعية الدينية ومطالب ساحات الحراك الجماهيري السلمي، ينبغي ان يتصدرا كل البرامج والمناهج والمسارات الحكومية، لانه بدون ذلك ستتكرر الاخطاء والسلبيات السابقة، وفي حال اردنا ترتيب الاولويات على ضوء التوجيهات والمطالب المرفوعة والمعلنة، وعلى ضوء مستجدات الظروف، فأن معالجة الاثار الاقتصادية والصحية لازمة وباء كورونا، وانهاء التواجد الاجنبي من البلاد واستعادة السيادة الوطنية الكاملة، واجراء انتخابات برلمانية مبكرة ضمن سقف زمني محدد، وفتح ملفات الفساد المالي والاداري ووضع اليد على الخيوط المحركة لها والجهات المتورطة بها، تمثل ابرز المفردات التي ينبغي على الحكومة المرتقبة العمل عليها.

ولاشك ان هذه المفردات ستكون بمثابة معايير ومثابات واضحة لتقييم اداء اي حكومة تتصدى لزمام الامور في المرحلة المقبلة، ولتبقى القضية المفصلية الاهم هي تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة، وتعاون وتكاتف كل الاطراف لدفع الامور ووضعها على سكة النجاح، لانه لم يعد هناك متسعا من الوقت للمزيد من الفشل والاخطاء والتسويف والاخفاق.
*كاتب وصحافي عراقي

أحدث المقالات