15 أبريل، 2024 6:14 م
Search
Close this search box.

حكومة العبادي وتحديات المرحلة

Facebook
Twitter
LinkedIn

في كل البلدان تطمح الشعوب أن تثمر الانتخابات الدورية فيها عن ولادة حكومة جديدة تكون قادرة على مواجهة اخفاقات سابقتها ومعالجة الاخطاء التي عطلت مسيرتها امام حركة التنمية والازدهار ، وتزداد تلك الرغبة بالتغيير والطموح نحو الافضل في البلدان غير المستقرة سياسياً أو اقتصادياً أو أمنياً أو اجتماعياً .

ان نتائج الانتخابات في اغلب بلدان العالم تحمل في طياتها نتائج للاستفتاء الشعبي حول اداء الحكومات ،  فتجديد الثقة بتلك الحكومات يعتبر مؤشرا ايجابيا على ادائها والعكس صحيح ايضا عندما يعبر الشعب عن رفضه وسخطه لسياسات الحزب او الاحزاب الحاكمة وبالتي يكون ذلك الرفض متجلياً بانتكاسة ذلك الحزب الحاكم وشركائه في السلطة في مارثون الانتخابات وتسلم الراية من قبل الاحزاب المعارضة للبدء بمرحلة جديدة وبرنامج حكومي مختلف يسهم في انقاذ الاوضاع المضطربة ويسير باتجاه اقناع الناخبين بجدوى العملية السياسية وقيمة أصوات الجماهير في عملية التغيير والبناء.

في العراق الامر مختلف تماماً وربما لا نجد للتجربة العراقية حالة شبيهة على صعيد الظروف والملابسات التي تحيط بالعملية السياسية وتفاصيلها المحبطة والغريبة ومشاهدها المعقدة ، ولذلك كانت مسيرة بناء الدولة (التي تم محو معالمها في السابق من قبل عصابة البعث الاجرامية) مهمة عسيرة نتيجة الصراعات والتجاذبات التي انهكت البلاد وأفنت العباد ، وحتى مسألة تشكيل الحكومة فهي لا تخضع لضوابط معينة ولا تكون بالضرورة معبرة عن ارادة وصوت اكثرية الناخبين وانما مرهونة بتوافقات وصفقات داخلية وخارجية ، لذلك نشهد في العراق ما بعد (2003) وطوال الحكومات التي تعاقبت على السلطة ولادة عسيرة للتشكيلة الوزارية وهو ما انتج بالتالي حكومات مشوهة الى حد لا ينفع في تجميلها اي عمليات ترقيعية .

أن التحديات الكبيرة والكثيرة والمعقدة التي تواجه اليوم تواجهها حكومة السيد العبادي هي تحديات أكبر من مبلغ تصوراتنا لأنها لم تكن وليدة المرحلة ، ولأنها ولدت شبه ميتة لكونها نتاج تخثر الصراعات المحمومة بين الكتل السياسية طوال السنوات السابقة ، ولأنها من افرازات الفساد المسرطن والاستئثار والاهمال وتدخلات القوى الغربية والدول الاقليمية ونتاج ايضا لصراعاتها في المنطقة والتي جعلت من العراق وشعبه ساحة لتصفية حساباتها وساعدها في ذلك فئة من القيادات السياسية الاستحمارية المستهترة وزمرها الغبية .

ما يحتاجه السيد العبادي للخروج من دوامة ونفق التحديات المظلم وحساباته المعقدة في العراق هو الارادة المجردة من التأثيرات الداخلية والخارجية والتحرر من ضغوط المحسوبية والمنسوبية لاتخاذ خطوات اصلاح حقيقية وليست قرارات ترقيعية ، وان تستهدف الاصلاحات معالجة جذور المشكلة وليس تفرعاتها المتشعبة وافرازاتها الشائكة والمتوالدة باستمرار ، وتتطلب خطوات الاصلاح الواقعية ايضا حلولاً للازمات وليس ترحيلها وتسويقها للمستقبل مما يجعلها تزداد تعقيدا نتيجة تفاقم ملفاتها كماً ونوعاً .

ثمة مسألة يجب ان تكون حاضرة في ذهنية رئيس الحكومة وهي تشابك الملفات الساخنة وتداخل موضوعاتها ، فالتداعي والانهيار الامني هو نتيجة للصراع السياسي المحموم بين اقطاب العملية السياسية ومكوناتها الرئيسية الثلاث ، والازمة الاقتصادية والمالية والشلل الخدمي المزمن في البلاد هو نتيجة حتمية للموت السريري للعملية السياسية وعمليات الاجهاض المستمرة لأي مبادرة ومشروع وطني صادق وهادف .

ان زخم الدعم المعنوي الكبير الذي تلقاه السيد العبادي ولا زال يحظى ربما به لا يمكن ان يحافظ على ديمومته واستمراريته وسوف يبدأ بالتلاشي تدريجياً خصوصا ان بوادره بدأت في ردود الفعل على موضوع تعديل رواتب موظفي الدولة بالإضافة الى بعض الخطوات المتخبطة الاخرى والضعف الملموس على مستوى الاجراءات والخطوات الاصلاحية التي وعد رئيس الوزراء بها ، وعليه فأن على الرئيس العبادي استثمار الوقت والزخم والدعم للمبادرة بعملية نخر وثقب جداران الخلافات السياسية الكونكريتية ومحاولة ردم ما يستطيع منها من أجل ان يؤدي ذلك الى تحريك بوصلة مشروع الاصلاح الوطني نحو انطلاقة حقيقية ومسار صحيح .

وربما تكون الزيارة الاخيرة الى النجف الاشرف واللقاء بعدد من مراجع الدين العظام والسيد مقتدى الصدر خطوة ذكية من العبادي لتأكيد استمرار دعم القيادات الدينية والسياسية لعملية الاصلاح التي لا زال يعّد بها وهي بالتأكيد مطلب يأمل جميع العراقيين ان يرى النور على أرض الواقع .

فهل يستطيع السيد العبادي أن يخطو بثقة لإكمال مسيرة إصلاح ما أفسده الشركاء الفرقاء في العراق ، أم سوف تبقى عجلة إصلاح العبادي تراوح في مكانها المعتاد وهو منصات المؤتمرات الصحفية ، سوف نترقب القادم وأن غدٍ لناظره قريب .
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب