كنت سأرفع يدي بالتحية للسيد رئيس الوزراء حيدر العبادي لو أنّه كان شجاعا وصريحا وشفافا وتحدّث بشفافية مع أبناء شعبه من دون لف أو دوران , وقال لهم أنّ القاعدة الشرعية تقول أنّ الضرورات تبيح المحظورات وتقدّر بقدرها , وحاجة البلد لهؤلاء الجنود الأمريكان تفرض علينا أن نتنازل بحكم الضرورة عن جزء من السيادة الوطنية بمنح الجنود الأمريكان الحصانة القضائية , فالحرب على الإرهاب وشروره وجرائمه تجبرنا أن نقبل بكل الوسائل من أجل القضاء عليه , وقد قلت هذا الكلام مرارا وتكرارا وقلت أنّ خير من يقدّر الحاجة لوجود قوات أجنبية على الأرض , هي الحكومة العراقية , لكن أن يبقى رئيس الوزراء يكذب على مواطنيه بعدد هذه القوات وطبيعة المهام التي تقوم بها , فهو أمر غير مستساغ ولا يعبّر عن أدنى قدر من المصداقية والشفافية , والتبرير الذي خرج به مكتب رئيس الوزراء حول تصريحات السفير الأمريكي في بغداد ستيوارت جونز لصحيفة الغارديان البريطانية عن اتفاق حكومة بلاده مع الحكومة العراقية بإعطاء الجنود الأمريكان في العراق حصانة قضائية من أي ملاحقات قانونية , لم يكن موّفقا ولا صريحا ولا يعبّر عن أي احترام لهذا الشعب , فالقول بأنّ الحصانة التي يتمّتع بها الجنود الأمريكان هي حصانة دبلوماسية , هو قول مرفوض منطقا وقانونا , فالحصانة الدبلوماسية وفق القانون الدوّلي تعطى فقط للعاملين في السلك الدبلوماسي , وليس للجنود أو المستشارين العسكريين , وهذا التبرير اللامنطقي واللاقانوني , يمّثل أعلى حالات الاستخفاف بعقول المواطنين .
ولا أريد أن أذكرّ السيد رئيس الوزراء بموقف سلفه السيد نوري المالكي حين رفض وبشكل قاطع إعطاء مثل هذه الحصانة للجنود الأمريكان الذين أرادت الولايات المتحدّة الأمريكية إبقائهم في العراق , وأعتقد أنّ العدد الذي أرادت الولايات المتحدّة إبقائه لا يزيد عن عدد الجنود الأمريكان الموجودين حاليا والذي يبلغ عددهم 3100 جندي أمريكي , فهل كان نوري المالكي مخطئا يا سيادة رئيس الوزراء حين رفض إعطاء الجنود الأمريكان مثل هذه الحصانة ؟ أم أنّ مفاهيم السيادة والوطنية هي الأخرى قد تغيرّت مع تغيير حكومة السيد نوري المالكي ؟ وهل هذا جزء من الإصلاح يا سماحة السيد مقتدى الصدر ؟ فأين هي شعاراتكم المعارضة لوجود قوات أمريكية على أرض العراق ؟ وهل تعلم يا سماحة السيد مقتدى أنّ هذه الحصانة القضائية التي منحتها الحكومة للجنود الأمريكان , تسمح لهم القيام باي فعل تراه الولايات المتحدّة الأمريكية يخدم أهدافها من دون أي ملاحقات قانونية ؟ أم أنّك سيدي تعتبر أنّ إزاحة نوري المالكي عن السلطة أهم من وجود قوات أمريكية على الأرض العراقية وأهم من هذا التنازل الصارخ عن السيادة الوطنية ؟ .