سيطرت الصدمة على المهتمين بالشأن العراقي والمراهنين على هيمنة الاحزاب والقوى الموالية لماهو خارجي ، الصدمة كانت عنيفة جداً فقد قال الشعب كلمته وازاح اغلب الوجوه والقوى التي تكرر ذات الخطاب وذات الاساليب في ادارة الدولة وتصدرت (سائرون) المشهد السياسي رغم كل المعوقات التي واجهتها ومحاولات قوى سياسية كبيرة لتجريم هذا التحالف واعتباره تحالفاً( مدنساً) مستغلة تعصب الشعب العراقي للدين ولم تفلح تلك المحاولات اطلاقاً فقد تغلب الوعي الشعبي على التزييف والخطاب الخرافي المفارق لمبادئ العقيدة والدين بل والمستغل لقدسية الدين في تضحيم مدنساته وخطاياه وتحطيم اي خطوة لبناء الدولة الوطنية .
تبدو المشكلة في العراق معقدة لاول وهلة لكنها ليست كذلك ان تمعنا فيها ، فقد كانت الحقبة الطائفية استدعاءً للجوار العربي والاسلامي في العراقي عندما ارتمى كل طرف باحضان داعمه ومموله وبتجاوز العراق للحقبة الطائفية وطيّها وتداعياتها برز وعي جديد يعود بالمواطن الى وطنه وبالوطن الى حدوده واسفرت انتخابات 2018 عن عبور الخنادق الاثنية وتحطم الهويات الثانوية وهناك ملامح شاخصة للدولة الوطنية التي تحتضن كل الطوائف ولاتميز بينها ولاتعتبرها معياراً في الوطنية او الخلاص وبطي هذه الصفحة لم يعد هناك مايعيد الاستدعاء الخارجي خاصة بعد تحول المملكة العربية السعودية باتجاه القضاء على التطرف والسير باتجاه فصل الدين عن الدولة واقرار الحريات الفردية وهو اتجاه ربما يدخل ضمن حربها الناعمة التي تخوضها مع الجمهورية الاسلامية في ايران فرفاهية الداخل وارتفاع مستوى الدخل من شأنه ان يحدث بلبلةً في الداخل الايراني والتطلع للعيش اسوةً بالدول المجاورة ذات الثروة النفطية الهائلة والعائدات المالية الضخمة ومع هذا التحول فمن الصعب جداً ان تتدخل المملكة في الشأن العراقي بدواعٍ( اسلامية ) ذات طابع عنفي لكنها لن تتخلى عن حلفائها بلاشك مثلها مثل الجمهورية الاسلامية في ايران وغيرهما من دول اخرى وجدت الابواب مشرعةً امامها للتدخل في الشأن العراقي وفرض ارادتها لعدة اسباب اهمها انفتاح الطبقة السياسية السابقة خارجياً وانكفائها داخلياً واللهاث لما خلف الحدود للتحرك بحرية داخلها ! وتلك مفارقة كبرى طغت على المشهد السياسي في العراق قبل انتخابات 2018 التي صفعت تلك الوجوه وكسرت الارجل التي تعودت الركض خارج حدود الوطن .
لابد ان نعترف ان تفكير الفرد العراقي سياسياً تفكير سطحي قياساً الى تفكير جاره الايراني ، في ايراني لايطغى اي تفكير على مصلحة الوطن ولايمكن ان يفكر الفرد الايراني بالاستعانة بدول اخرى على وطنه وحكومته ، كنت في مشهد المقدسة عام 2009 في زيارة للمشهد المقدس ( مشهد الامام الرضا عليه السلام) بصحبة بعض زملائي من طلبة الحوزة العلمية الشريفة وكانت الانتخابات الايرانية على الابواب والصراع بين الاصلاحيين والمحافظين على اوجه فسألت بعض الشباب الايرانيين الذين كانوا بقربنا عن ميولهم وموقفهم في الانتخابات فقالوا: نحن اصلاحيون طبعاً لكننا سننتخب المرشح المحافظ ( احمدي نجاد) لان قادة المحافظين في هذه المرحلة لايمانعون من الاستعانة بامريكا لتحقيق مايريدون ونحن لانريد اصلاحات وحريات تاتينا من الخارج ولانريد اسقاط نظام الحكم مستعينين بامريكا ، نريد اصلاحات ننتزعها بانفسنا دون المساس بسيادة الدولة او التامر عليها ، من الصعب جدا ان يفكر العراقي بمثل هذا التفكير قبل 2018 وهو الذي يفتخر بصواريخ دول الجوار الباليستية ويحط من شأن بلده ! لكن وعياً جديداً ظهر في الافق سيقضي على الوعي الدوني والمستلب الذي ينظر لنفسه بدونية امام الاخر ..
من هنا تبدو مشكلة مقتدى الصدر
انه رجل ليس صديقاً لامريكا ،وليس عدواً لايران ولاموالياً لها وهذه المشكلة اثبت غباء السياسي الايراني وعدم قدرته على تفهم الاستقلالية الوطنية في العراق ، انه مثل السياسي الامريكي تماما فاما ان تكون معي او ضدي ولاقيمة للقرار الوطني …