23 ديسمبر، 2024 9:35 ص

حكومة الشراكة والتفاوض مع الداعشيين في الفلوجة !

حكومة الشراكة والتفاوض مع الداعشيين في الفلوجة !

الفلوجة: إسم لمدينة عراقية اقترن اسمها بالتمرد والخروج عن القانون وتبني الأساليب الارهابية منذ التغيير عام 2003 والى اليوم، ولاشك أن البعض ينظر الى الأمر نظرة معاكسة يرى فيها، أن في ذلك الإقتران، إضافات ايجابية لتاريخ هذه المدينة وعلامات فارقة تميزها عن بقية المدن، إنطلاقاً من كونها مدينة (مقاومة)!. والأخذ بهذه النظرة يُعد تقزيما لتاريخ المُدن العراقية الأخرى لما فيه من حصر لمعاني (البطولة والاستبسال) في بقعة جغرافية معينة وتجريد بقية البقاع العراقية منها. مع ذلك، في المقابل أيضا، فأن الصاق صفة الارهاب بها وتعميمه على جميع أفرادها هو تجنّي كبير على تاريخ هذه المدينة الذي إمتزج فيه هذا وذاك، إبتداء من قتل المقاولين الأمريكيين الأربعة في 2004 وسحل جثثهم في الشوارع ومن ثم حرقها وتعليقها في أطراف أحد الجسور في مدينة الفلوجة (وقد كتبت في حينها مقالاً بعنوان “إغتيال الانسانية في الفلوجة ” في الأول من نيسان 2004 وقد نشر في حينه في موقع بوابة العراق)، ولم يكن في الحسبان أن يحدث ماهو أبشع اليوم، وهو أن يلعب الداعشيون في الفلوجة كرة القدم برؤوس عدد من أبناء قواتنا المسلحة الذين وقعوا أسرى في أيديهم.!

في حقيقة الأمر، ومثلما هو العراق فيما مضى، عندما تم ترشيحه من قبل أطراف رسمية (أعرابية) في الممالك الوراثية بالإتفاق مع النظام الصدّامي  ليكون البوابة الشرقية لـ (القومية/ الأمة العربية الكارتونية) قبال عدو خارجي، وليخوض حرباً طاحنة أنهكت الشعبين العراقي والأيراني وسالت على أثرها أنهارا من الدماء، ولم يحصد نظام صدام المقبور ومن وقف خلفه في تلك الحرب سوى الندامة والخذلان..  كذلك الفلوجة اليوم، فقد أسهمت العوامل الجغرافية والديموغرافية لهذه المدينة في إختيارها منذ ما قبل التغيير 2003، بوابة شرقية لـ (الطائفة).

وتُعد مدينة الفلوجة، أحد أقضية محافظة الأنبار، وهي المدينة أو القضاء الأقرب والمحادي الى العاصمة العراقية من بين الأقضية الثمانية الأخرى التي تتشكل منها المحافظة، حيث لاتفصل هذا القضاء عن مدينة بغداد سوى 60 كيلو متراً. وإضافة الى العامل الجغرافي، فالديموغرافيا هي الأخرى إقترنت كعامل مساعد في الاختيار، من حيث أحادية الانتماء القومي والمذهبي (السني)، وتعددية الإنتماء القبلي (وبما يشكل امتدادا لمعظم عشائر الأنبار)، يضاف الى ذلك فقد إحتل عدد كبير من أبناء هذه المدينة مواقع وظيفية في النظام السابق وتحديدا في المؤسستين الأمنية والعسكرية إكتسبوا من خلالها خبرات من الممكن تسخيرها في انتاج العنف، فضلا عن الطبيعة المحافظة والميول الدينية لهذه المدينة التي امتازت بكثرة المساجد، هي الأخرى كانت قد شكّلت مادة أولية لإنتاج التطرّف عندما اختلطت تلك الميول بالولاء الأعمى لحزب البعث الصدّامي وبعد التحالف بين القاعدة والبعث الصدّامي المنهار.

من هذا المنطلق، ومنذ أن تأكد عزم وجدية الولايات المتحدة في اسقاط الصنم في بغداد، وقع الإختيار على هذه المدينة العراقية المبتلاة بالدواعش اليوم لتكون (بوابة شرقية)، فقد عملت بعض الدول العربية بالإتفاق مع نظام صدّام على دخول المدينة ومنذ عام 2002 من خلال المشاريع ذات الصبغة الانسانية والاجتماعية للتغطية على أهدافها المخابراتية والتخريبية، وقد صدرت التعليمات الحزبية آنذاك ومنذ البدء الى قيادات البعث المنهار بالتجمع في تلك المدينة عند وقوع المحظور: (سقوط الصنم)،  لذلك أصبحت الفلوجة حاضنة للإرهاب بضوء أخضر من نفر ضال من أبنائها نصّب نفسه قيّما على المدينة، ومن بعض شيوخ العشائر الذين ارتبطوا بالأجندات الخارجية الهادفة لإسقاط التجربة الديمقراطية في العراق والعودة بالعملية السياسية الى زمن الديكتاتورية المقبورة.

ولقد أشرت في المقال السابق (الدولة السائبة ومطامح المنظمة السرية) الى أن الهدف الرئيسي للإرهاب في العراق هو إنتزاع اعتراف يؤهله للتفاوض مع الحكومة والاستمرار في حُكم المناطق التي وقعت تحت سيطرته وبطريقة تسمح له بالتمدد التدريجي والهيمنة على مناطق أكبر.. وذلك ليس سرّا فهو ما يطرحه ويعمل عليه وبشكل علني أعضاء مجلس النواب من مخلفات (الشراكة التعطيلية). حيث دعى النائب طلال الزوبعي حكومة المالكي الى التفاوض مع القوى الارهابية التي رفعت السلاح بوجه الدولة واستباحت دماء العراقيين.(دون أدنى حياء)

حيث ينطلق السيد النائب الزوبعي من نظرية يقول فيها للحكومة العراقية ما نصّه .. ” أن المنطق والعقل والتحدث ضمن أطار الواقع هو التعامل مع الطرف القوي الذي يمتلك زمام الأرض في أزمة الأنبار والحوار مع الأقوياء وليس مع الطرف الضعيف 🙁 ويقصد بالطرف الضعيف الصحوات)”.. وعندما رد مقدم البرنامج ولكن من يسيطر اليوم على الأرض لايمتلك شرعية ويقصد بذلك (داعش/ الفلوجة) .. فكان رد السيد النائب ” الشرعية تولّدها القوة على الأرض وليس القانون المكتوب على صفحات الورق”.

بهذه العقلية يفكر اللاهثون خلف الشراكة (التعطيلية)، وإذا كان الزوبعي أكثر جرأة وقد قالها علنا، فالبقية يخفون ماهو أعظم. فهل يتحمّل العراق أربعة سنين أخرى من الشراكة التعطيلية أم يلتفت الحريصون على البلاد والعباد الى ضرورة الأغلبية السياسية التي أقل ما يمكن أن يتحقق عنها، عدم إجبار الحكومة على التفاوض مع الإرهاب المقيت في المراحل القادمة؟.
رابط لقاء النائب طلال الزوبعي في قناة دجلة
http://www.youtube.com/watch?v=wnImZPnN4DE#t=2739