5 نوفمبر، 2024 4:47 م
Search
Close this search box.

حكومة السوداني بعد 100 يوم .. اي فرص للنجاح؟

حكومة السوداني بعد 100 يوم .. اي فرص للنجاح؟

ربما لاتكفي فترة 100 يوم لتقييم عمل حكومة ما، تقييما حقيقيا وتفصيليا وموضوعيا، بل انها يمكن ان تكون بمثابة مؤشر اجمالي عام يحدد ويشخص المسارات العامة لها، من حيث الايجابيات والسلبيات المتبلورة.

واذا كان هذا المعيار يصدق على الحكومات التي تتشكل وتعمل وتتحرك في بيئات سياسية واجتماعية وامنية واقتصادية مستقرة، بعيدا عن الضغوطات الكبيرة والاستحقاقات الكثيرة، والمشاكل العميقة. فأنه يكون اوجب بالنسبة للحكومات التي تتشكل وتعمل وتتحرك في ظل ظروف واوضاع استثنائية وحرجة وضاغطة، كالحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، التي انطلقت بعملها بعدما نالت ثقة البرلمان في السابع والعشرين من شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي.

ومعروف ان هذه الحكومة ولدت بعد مخاضات عسيرة وطويلة، تعود جذورها الاولى الى بدايات عام 2021، حينما انطلق الحراك السياسي العام لاجراء انتخابات برلمانية مبكرة كجزء من عملية الاصلاح وتصحيح الاخطاء ومعالجة السلبيات المتراكمة.

وما بين انطلاق ذلك الحراك وولادة حكومة السوداني، حفل المشهد العراقي بالكثير من الاحداث والوقائع والتفاعلات، التي كادت ان تلقي بالعراق الى الهاوية، لان انتخابات العاشر من تشرين الاول-اكتوبر 2021، بدلا من ان توجد انفرجات للعقد والاشكاليات التي راحت تتشكل وتتضخم وتتسع خلال العام الثاني من حكومة رئيس الوزراء الاسبق عادل عبد المهدي (2018-2020)، والتي استقالت تحت وطأة ضغوطات الشارع، مرورا بحكومة مصطفى الكاظمي، فأنها -اي الانتخابات-افضت بسبب نتائجها ومخرجاتها الجدلية، وكمّ الملاحظات والمؤاخذات عليها، ناهيك عن الاستقطابات الحادة التي افرزتها ارتباطا بالنتائج، لاسيما بين قوى المكون الشيعي، الى مزيد من التعقيد والتأزيم، الذي وصل الى تعطيل البرلمان بعد السيطرة على مبناه في داخل المنطقة الخضراء والاعتصام فيه من قبل اتباع التيار الصدري، ومن ثم تهديد السلطة التشريعية، وابقاء حكومة تصريف الاعمال تتخبط في مجمل اداءاتها وتراهن على بقاء الازمة وتصاعد وتائرها لتبقى هي اطول فترة ممكنة، او تحظى بولاية جديدة، حينما تصل كل الحلول والخيارات المطروحة من قبل فرقاء التيار الصدري والاطار التنسيقي الى طريق مسدود.

ولان المشهد السياسي العراقي حافل بالمفاجئات والاحداث الدراماتيكية، والتحولات والمتغيرات الكبرى، لم يك غريبا على ضوء ذلك، ان ينسحب الطرف الذي حصل على اكبر عد من مقاعد البرلمان، وهو التيار الصدري، ويترك زمام الامور لغريمه الاطار التنسيقي، ولتؤول رئاسة الحكومة لمرشحه محمد شياع السوداني.

جاء السوداني للمنصب التنفيذي الاول ببرنامج حكومي شامل وناضج وفيه اولويات واضحة، تعكس الى حد كبير مقتضيات الواقع ومتطلباته. في ذات الوقت، جاء وهو معزز بثقل برلماني كبير، ودعم واجماع سياسي واسع من قبل مختلف المكونات، فضلا عن غياب وانكفاء المعارضة عن الميدانين السياسي والشعبي، وتأكيدها اعطاء فرصة للحكومة الجديدة لكي تثبت مدى كفاءاتها وقدرتها وجديتها في تنفيذ البرنامج الحكومي الخاص بها، وبالتالي الايفاء بالوعود والعهود التي قطعتها على نفسها.

بعبارة اخرى كان رئيس الوزراء العراقي الجديد وكابينته الوزارية في مواجهة جملة من التحديات الكبيرة والاستحقاقات الثقيلة، الى جانب حزمة من عوامل الدعم والاسناد والتحفيز.

ومنذ البداية حدد السوداني، العارف بكل خبايا الامور في منظومات الدولة ومفاصلها المختلفة، بحكم المناصب والمواقع التنفيذية والتشريعية التي تصدى لها وشغلها طيلة ثمانية عشر عاما، حدد منذ البداية اولوياته المتمثلة بمحاربة الفساد، وتحسين الخدمات في مختلف المجالات والمستويات، والنهوض بالقطاعات الزراعية والصناعية المختلفة، وتهيئة الظروف المناسبة لاجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية في اسرع وقت ممكن.

ولعل ما اختلف فيه السوداني عن رؤساء الحكومات الذين سبقوه في المنصب، نزوله الميداني المبكر والسريع الى الشارع، ليس هو فحسب، بل حتى اغلب وزراء حكومته، واتخاذه خطوات واجراءات عملية لمعالجة السلبيات ومكامن القصور والتقصير في قطاعات الصحة والتربية والتعليم والرعاية الاجتماعية والاسكان والزراعة والصناعة والاستثمار، وفتحه لملفات الفساد في المستويات العليا، عبر تفعيل عمل هيئة النزاهة واخراجها من قوالب الرتابة والروتين وبيروقراطية وفساد المؤسسات المختلفة.

ورغم انه لاتوجد استطلاعات او استبيانات رأي معلنة حتى الان توضح وتحدد بالارقام مستوى الاداء الحكومي خلال المائة يوما الاولى من عمر الحكومة، الا ان مجمل المؤشرات والمعطيات تؤكد ان الامور تسير وتتحرك بالاتجاهات الايجابية الصحيحة، وهناك حالة رضا وقبول وارتياح ملموسة لدى مختلف الاوساط والمحافل السياسية والنخبوية، وكذلك الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة، لاسيما المعدمة منها والفقيرة، ازاء مجمل ما قامت به الحكومة في غضون الفترة الزمنية القصيرة الماضية، من قبيل التوجه الى المناطق المحرومة واجراء عمليات المسح الميداني فيها لشمول اكبر عدد من افرادها بشبكة الرعاية الاجتماعية، واستعادة مبالغ مالية كبيرة كانت قد تبددت ونهبت جراء سوء الادارة والفساد وغياب التخطيط وضعف الرقابة، واحالة العديد من المتورطين، ومنهم اصحاب درجات خاصة، سابقا او حاليا، الى القضاء، وتطوير وتحديث المؤسسات الصحية، وتنشيط قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، عبر تقديم التسهيلات والمحفزات للمزارعين والمستثمرين في هذين القطاعين، فضلا عن الشروع بحملات واسعة لتطوير واصلاح قطاع الطرق والمواصلات، وغيرها من الجوانب والمجالات.

الى جانب ذلك كله، فان الحراك السياسي والدبلوماسي على المحيط الاقليمي والفضاء الدولي، بدا محسوبا ومدروسا بعناية ومتساوقا مع اولويات ومفردات البرنامج الحكومي، بعيدا عن الاستعراضات الاعلامية والتسويق السياسي السطحي، وقد تبدّى ذلك واضحا في الزيارات التي قام بها السوداني لكل من الكويت والسعودية وايران والاردن والامارات وقطر والمانيا وفرنسا.

وبما ان السوداني هو مرشح الاطار التنسيقي، فمن الطبيعي جدا ان يحرص الاخير على انجاح مهمته، من خلال المتابعة والتنسيق والتواصل الدوري، عبر الاجتمالات واللقاءات المستمرة بين قادة قوى الاطار والسوداني، والتي يراد منها الوقوف على كل التفاصيل والجزئيات، وتقييم الخطوات والاجراءات المتخذة، والعمل على تذليل المصاعب والمعوقات، وتعديل المسارات الخاطئة.

ورغم وجود تباين في مواقف ورؤى قوى الاطار بشأن بعض تفاصيل اداء حكومة السوداني وقراراتها، الا ان ذلك لم يمنع من الحفاظ على وحدة الموقف الكلي العام تجاهها. وكان ذلك معززا بمواقف كردية وسنية داعمة ومساندة للحكومة، لم تعرقلها الخلافات والتقاطعات والصراعات الداخلية، التي ارتأى السوداني الدخول على خطها بهدوء من اجل احتوائها وتطويقها حتى لاتنعكس على المشهد العام للبلاد وتربكه، في الوقت الذي يتجه شيئا فشيئا الى الاستقرار النسبي الجيد.

وثمة امر مهم جدا، لابد من الاشارة اليه هنا، الا وهو ان هناك مؤشرات تذهب الى ان المرجعية الدينية في النجف الاشرف، متمثلة باية الله العظمى السيد علي السيستاني، التي عبرت في اوقات سابقة عن عدم رضاها واستيائها من عموم الطبقة السياسية الحاكمة، لديها تقييما ورؤية وانطباعات اولية ايجابية حيال اداء السوداني وحكومته، وهي-بحسب اوساط سياسية مقربة من رئاسة الحكومة-اوصلت رسائل مفادها، ضرورة تقديم كل اشكال وادوات الدعم للحكومة في اجراءاتها، وتشجيعها للاستمرار بذلك بوتيرة متصاعدة، وتجنب وضع المعوقات والعراقيل امامها.

ويبدو ان الزيارة التي قام بها السيد محمد رضا السيستاني نجل المرجع علي السيستاني لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في مقر اقامته بمنطقة الحنانة في النجف الاشرف مطلع شهر شباط-فبراير الجاري، جاءت في سياق توفير الاجواء والظروف الداعمة لحكومة السوداني، اذ ان الصدر، كان قد المح الى انه سيمنح حكومة السوداني فرصة، قبل ان يبادر الى التحرك واتخاذ اي خطوات تجاهها. وبالفعل فأن زعيم التيار الصدري، وان لم يفصح عن تأييده لاداء حكومة السوداني، الا ان هناك من يقول انه مؤيد وراض عنها بنسبة جيدة، وما يعزز ذلك، انه لم يبدي اي دعم وتشجيع لدعوات التظاهر التي اطلقت قبل فترة وجيزة من قبل بعض الاطراف والجماعات.

ويرجح ان يكون من بين اهداف الزيارة غير المتوقعة من قبل محمد رضا السيستاني للصدر، هو ضمان عدم حدوث اي تصعيد ضد الحكومة في هذه المرحلة، وترقب ومراقبة مسيرة ادائها وانتظار المزيد من النتائج والمعطيات لكي يكون التقييم موضوعيا ومنصفا، خصوصا مع المؤشرات الايجابية الاولية لها.

كذلك فأن التعاطي الايجابي الخارجي-اقليميا ودوليا-عزز المواقف والتوجهات الايجابية الداخلية، ومضافا الى تصريحات العديد من الساسة والمسؤولين الغربيين-وتحديدا الاوربيين-بشان التعاون والتنسيق مع الحكومة العراقية الجديدة، فأن الرؤية الايجابية والملاحظات الموضوعية للمبعوثة الاممية جينين بسخارت في احاطتها الدورية الاخيرة عن الوضع العراقي، التي قدمتها الى مجلس الامن الدولي مطلع الشهر الجاري، اذ اشادت بخطوات السوداني بمكافحة الفساد واصلاح المؤسسات، وحذرت من مخاطر الانقسام السياسي في اقليم كردستان بشمال العراق. مثلت اشارة مهمة مقارنة بما كانت تتحدث به وتطرحه سابقا.

بيد انه في كل الاحوال، لايمكن القطع بان النجاحات المتحققة لحكومة السوداني خلال المائة يوم الاولى، ستمتد الى المرحلة او المراحل المقبلة، بنفس القدر والوتيرة والزخم، الا حافظت العوامل المساعدة على تحقيق تلك النجاحات على زخمها وديمومتها، واكثر من ذلك، اليات وادوات التعاطي مع ملفات محورية وحساسة ومهمة، من قبيل القضايا الخلافية مع اقليم كردستان، وملف الانتخابات-البرلمانية والمحلية-وملف تعديل الدستور، وملف الوجود الاميركي وهيمنة واشنطن على المفاصل الاساسية للدولة، كالامن والمال والاقتصاد، ومدى الاستمرار في مكافحة الفساد واخراج هذا الملف من دائرة المساومات والترضيات السياسية، وموضوعية ومهنية تقييم اعضاء الحكومة وكبار المسؤولين بعد انتهاء المهلة المحددة، بعيدا عن قوالب المحاصصة ومحدداتها السلبية..

قد تتضح وتتجلى الامور بالقدر الكافي نهاية هذا العام، ويتضح ويتجلى معها مصير الحكومة وفرص استمرارها ونطاق عمرها الزمني المتوقع والمفترض.

————————–

*كاتب وصحافي عراقي

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات