18 ديسمبر، 2024 8:10 م

حكومة السوداني: اختبار صعب في ظروف مؤاتية

حكومة السوداني: اختبار صعب في ظروف مؤاتية

في المؤتمر الصحفي بين الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي ورئيس وزراء العراق السيد محمد شياع السوداني، في الزيارة التي قام بها الاخير مؤخرا الى طهران، العاصمة الايرانية؛ دعا الرئيس الايراني، نظيره العراقي؛ بأهمية رحيل الامريكيين من العراق، وان العراق لن يستقر بوجود الامريكيين فيه. جاء هذا التنبيه او الاشارة لوجود الامريكيين في وقت تؤكد فيه الحكومة العراقية ليس الحكومة هذه فقط بل جميع الحكومات العراقية بعد عام2011، بان وجود الامريكيين؛ ما هو الا من اجل تدريب القوات العراقية، والاستشارة، هذا التدريب الذي مضى عليه ما يقارب العشرين عاما، ولم ينته ولا اعتقد بانه يوما قريبا؛ سينتهي. اتفاقيتي الاطار الاستراتيجي واحدة من بنودها؛ هو ان تلتزم الحكومة الامريكية بالمحافظة على النظام الديمقراطي في العراق، وتدافع عنه بكل الوسائل، واؤكد على؛ بكل الوسائل. الامر الذي يثير الاستغراب، هل الرئيس الايراني كما غيره من رؤساء ايران الذين سبقوه، لا يعرفون ببنود اتفاقيتي الاطار الاستراتيجي، وهذا امر محال بالمطلق. كما ان الرئيس الايراني كما غيره من رؤساء ايران؛ لا يعلم ولا يعلمون بان القوات الامريكية او قل للتخفيف من وطأة لفظة تواجد القوات الامريكية وابدالها بالتواجد الامريكي للاستشارة والتدريب في اطار الناتو كغطاء لهذا الوجود الامريكي العسكري على ارض العراق.. الولايات المتحدة موجودة في العراق عسكريا وسياسيا واقتصاديا، بل حتى ثقافيا، كما ان ايران هي الاخرى لها وجود في العراق، ووجودها اكثر تأثيرا وفاعلية من الوجود الامريكي لجهة الحاضر والمستقبل المنظور.. ان كلا الدولتين عندما يحتدم الصراع بينهما، يستخدمون الورقة العراقية في اللعبة كورقة ضغط واشارات يتم بثها من طرفي الصراع في اتجاهات متعاكسة، يتم استلامها من طرفي الصراع في تزامن لحظي. فحواها او محتواها؛ هو ان لنا القدرة والامكانية في احداث القلق والاضطراب في بث متبادل في التأثير على القرار في الذي يخص العراق ولا يخص العراق، بل يخص طرفي الصراع الايراني والامريكي. في الايام الاخيرة، المسؤولون الامريكيون اكدوا؛ لا يوجد تبرير للتغير في العراق، وان التغيير يجب ان يكون من خلال صناديق الاقتراع، وهي محاولة للالتفاف على جوهر واصل المشكلة الديمقراطية في العراق، والتي تتركز في توزيع الحصص بعد اي انتخابات تجري بصرف النظر عن نتائجها، واكبر مثال على ذلك هي انتخابات عام 2010 وانتخابات عام 2021. ان الدستور العراقي هو اصل المشكلة ففي ظل هذا الدستور؛ لا يمكن لأي انتخابات ومهما تكون نتائجها، الا ان تفضي او انها تقود الى انتاج ذات الشخصيات وان اختلفت هذه الشخصيات عن تلك التي سبقتها، لكنها من ذات الخانة في الرؤية والسلوك والعمل والأصل والجذر السياسي. اي ان صناديق الاقتراع لا تقود الى التغيير الذي يرنوا اليه الشعب العراقي. ان النظام البرلماني في العراق قد ثبت فشله في انتاج حكومة عبر صناديق الاقتراع، يترجم فيها الشعب العراقي إرادته. البديل هو اما نظام رئاسي او نظام شبه رئاسي. لكن هذا الامر من الصعوبة بمكان؛ ان يتم الذهاب اليه، ليتم تفعيل صناديق الاقتراع ويكون لصوت الناخب العراقي فعل في احداث التغيير المنشود في الاصلاح واقامة ديمقراطية حقيقية لها قوة الفعل على ارض الواقع في تبديل حقيقي لطاقم الإدارة التنفيذية ومنبر الرقابة والتشريع عندما لا تلبيان طموح وإرادة الشعب العراقي في التنمية الحقيقية المنتجة لعوامل البناء والحياة الكريمة والحرة لحاضر مفعم بالآمل يؤسس لمستقبل واعد لغد جميل يسود فيه حكم القانون ولا يخضع لإرادة الفاعل السياسي وايديولوجيته، بل يخضع الجميع لحكم القانون وإرادة الشعب. ان تغير او تعديل البعض من فقرات الدستور من الصعوبة احداث هذا التغيير او التعديل؛ لأن من كتب الدستور وضع فيه، ما يجعل هذا التغير او التعديل صعب للغاية ان لم اقل مستحيلا. هناك اسباب لهذه الاستحالة، وهذه الاسباب؛ هي في متن الدستور، اي من الفقرات الاساسية والجوهرية فيه، من يريد التثبت من ذلك؛ عليه اعادة قراءة بنود الدستور، قراءة فاحصة، اذا كان قد قرأه في وقت سابق، واذا لم يقرأه عليه قرأته قراءة متمعنة جدا؛ سيرى صحة ما ذهبت إليه. هناك الكثير من السياسيين العراقيين في وقت سابق من الآن، منذ اكثر من عقد؛ ارادوا الذهاب الى الاغلبية في انتاج الحكومة، وهذه الاغلبية تنتجها صناديق الاقتراع لكنهم اصطدموا بجدار الدستور. اذ، لا يمكن ان تكلف هذه الاغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة الا بعد انتخاب الرئيس من قبل البرلمان، بأغلبية الثلثين. مما ادى بهؤلاء الساسة ان يسدلوا الستار على محاولتهم هذه، وان يكفوا عنها تماما، أذ؛ لا يمكن ضمان حصول موافقة الثلثين الا بجمع اصوات الأخرين الذين كانت مقاعدهم التي حصلوا عليها بالانتخابات دون سقف الاغلبية بمسافة كبيرة. في حدود معلوماتي ان دول الانظمة البرلمانية، يجري انتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرة، ويظل هذا المنصب تشريفيا، وان مهمته تنحصر في تكليف الكتلة او الحزب الذي يحصل على اكبر عدد من المقاعد بما يؤهله لتولي رئاسة الحكومة، بالإضافة الى مهاهم تشريفية اخرى، لا تتعدى هذه الحدود ويظل النظام الانتخابي، نظاما برلمانيا، وليس نظاما رئاسيا او نظاما شبه رئاسي، من الامثلة على هذا، المانيا، الهند، وغيرهما الكثير من الدول الديمقراطية في المعمورة، والتي فيها؛ النظام نظاما برلمانيا. ان هذه الحكومة تشكلت بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، وتم بعدها التحالف بين قوى واطراف العملية السياسية، بالاتفاق على تنظيم وتوزيع الحصص في هذه الوزارة على قاعدة النزول التخادمي بين اطراف هذه العملية. التيار الصدري وحسب قراءتي لمآل المشهد السياسي الحالي في العراق؛ من المحتمل جدا ان لا يقوم باي فعل يربك او يؤثر سلبا على حكومة السوداني، لأسباب لامجال او لا حاجة للخوض فيها، اولا انها معروفة لكل متابع لبيب وثانيا، كاتب هذه السطور المتواضعة سبق وان كتب عنها بوضوح في مقال سابق على صفحات هذه الصحيفة الغراء. ليس هذا فقط، بل ان التيار الصدري، ربما كبيرة جدا، ان لم اقل، أو اؤكدها تأكيدا، ان كانت قراءتي هذه لها حظ وافر من الصحة؛ لم يشارك كتيار في الانتخابات المقبلة، لأسباب تتعلق بالتقليد والمرجعية الدينية في اطار الايديولوجية الدينية التي تشكل الهادي والموجه له في هذا المجال. ان تشكيل الحكومة العراقية لم يكن نصرا لإيران فحسب، بل هي ايضا حظيت بمباركة ورضا امريكي لا غبار عليه. امريكا كانت خلال المخاض العسير تضغط في اتجاه؛ ان تظهر حكومة السوداني للوجود بسرعة؛ تحظ كل الاطراف في الاسراع في الاتفاق على تشكيلها. هل تواجه حكومة السوداني ما واجهته حكومة عادل عبد المهدي التي قادت في نهاية الامر الى اسقاطها؟ من وجهة نظري ومن خلال قراءتي للمشهد السياسي سواء في العراق او في دول الجوار او في ايران او في الساحة الدولية؛ ربما كبيرة جدا، لن تواجه ما واجهته حكومة عبد المهدي للأسباب التالية: اولا حكومة السوداني تحظى بدعم واسناد جميع قوى الفعل السياسي في المشهد السياسي العراقي، خصوصا اذا اوفت الحكومة بجميع تعهداتها التي انتجتها، او الجل الاكبر منها. ثانيا انها ستقوم بالخدمات بفعل الوفرة المالية وايضا لاغتنام هذه الفرصة في تجميل صورتها امام العراقيين. من نافلة القول او ان من ضروراته ان اقول او ان ابين ان الحديث هنا لا يدور حول الاصلاح ومكافحة الفساد فهذا موضوع اخر، بل ان الحيث يدور حول العمل على توفير الخدمات ولو بالحدود المقبولة التي تساهم في زراعة الامل في نفوس الناس. ثالثا، ان هذه الحكومة ومن وجهة نظري، من المستعبد جدا ان تعمل على تفعيل الاتفاقية مع الصين التي قادت الى اسقاط حكومة عبد المهدي.. او انها واحدة من اقوى المحركات التي حركت الاوضاع بقوة وسخونة في وجه حكومة عبد المهدي. رابعا، ان التغييرات والتحولات في الاقليم العربي وفي جواره وفي الساحة الدولية، لا تسمح باي حركة تقود الى خلخلة الاوضاع في العراق. الحديث في هذا الموضوع معقد جدا، ومتشعب لا تسمح مساحة هذا المقال الخوض فيه.. خامسا، هناك انفراج مؤدلج امريكا للصراعات العربية العربية، والعربية مع دول الجوار العربي، بصرف النظر عن مطالب الشعوب العربية بالحرية والديمقراطية والأمن والحياة الحرة والكريمة، وهذه الفقرة ترتبط ارتباطا عضويا بالفقرة الرابعة. سادسا، ان هذه الحكومة او انها كانت نتيجة تلاقي مصالح الفاعل الاقليمي والدولي في تشكيلها كمخرج او كعملية تفكيك للازمة السياسية التي شهدها العراق قبل ظهورها الى الوجود.. سابعا، ان القيادة الايرانية، ستحظ او تدفع حكومة السوداني على انفتاحها على محيطها العربي بمساحة اكبر من السابق. لأن هذا التوجه في الوقت الحاضر يقع في صلب السياسة الايرانية، او انه يخدم مصالحها حاليا على غير ما كان عليه الوضع في السابق. ايران تريد من الانفتاح العراقي على محيطه العربي؛ ان يفتح الطريق لها في مد جسور الود والتفاهم والتعاون مع دول الخليج العربي وبالذات مع السعودية. ثامنا، ان حكومة السوداني بفعل اوضاعها وبفعل شروط واشتراطات تشكيلها عبر الاتفاقات التي تمت بين اطراق وقوى العملية السياسية، وبالذات مع الحزبين الكرديين؛ ستفي مضطرة، بتلك الشروط ولو في الحدود المقبولة. في النهاية اقول، اتمنى على حكومة السوداني الايفاء بما وعدت به الشعب العراقي في الذي يخص الاصلاح والخدمات والتنمية، ولا اقصد الايفاء بشروط واشتراطات بينها وبين الاطراف الأخرى للعملية السياسية، فهذا موضوع اخر.