22 ديسمبر، 2024 10:39 م

حكومة الحامض حلو

حكومة الحامض حلو

يمتاز العراقيون جميعاً بولعهم للحامض حلو، كبارهم قبل صغارهم ويكاد ان يكون ماركة مسجلة بإسمهم كالعنبة والمسكوف وغيرها من مفردات الهوية العراقية التي تدخل من باب أصناف التذوق الخاص بالأطعمة والمنتجات الغذائية بأنواعها.
وعندما كنّا صغاراً حيثُ نأخذ مصروفنا اليومي (الخرجية) من آبائنا، كان لا بد لنا ان نضع جانباً منها كجزء رئيسي لشراء الحامض حلو فنركض الى صاحب البقالة ونطلب منه ان يبيعنا هذا المنتوج الشعبي بمقدار الخمسة فلوس لنحصل على خمسة قطعٍ منه بالوانٍ وأشكالٍ مختلفةٍ، كل لون وشكل يعطي طعماً زاكياً مختلفاً عن الآخر، فنسارع الى دس قطعاً منه في أفواهنا لتتلاعب السنتنا بها من جانب الى آخر متبارين كأطفال فيما بيننا للتلذذ بطعمها. ومع التقدم الذي حصل في صناعة تلك الأنواع من الحلويات وزيادة القدرة الشرائية للفرد العراقي، وقبل أن يأتي (الجراد) ليكتسح الأخضر واليابس!!، تطور ذوقنا الى ما هو أغلى وأطعم من الحامض حلو، فعرفنا النستلة أم “العبد” والكيت كات والماكنتوش.
ويبدو ان أعضاء الحكومة (الموقرة) قد قرروا العودة الى أيام طفولتهم أو إعادة إحياء هذا التراث فيما بينهم، أو لربما لم يتذوقوه في طفولتهم لشظف العيش لعوائلهم، فقرروا أن يستوردوا هذا المُنتَجْ (علماً بأنه مصنوع محلّياً وبجودة عالية)، فأبرموا عقداً بثمانية وعشرين مليون دولار لشراء الحامض حلو!!، وكما صرّح بذلك النائب هيثم الجبوري في أحد لقاءاته على احدى الفضائيات. 
والحقيقة اننا لا نستغرب هذا الصرف على استيراد “الحامض حلو”، وحيثُ يجب ان يُتخذ كعلامة أو ماركة مسجلة للحكومة، فنقول: الحكومة الرشيدة علامة “الحامض حلو”، لأن الحكومة يجب ان تكون إسماً على مسمى بدون ادنى شك بتنوع أشكال والوان أعضائها، غير ان أعضائها يفتقدون الى الطعم المميز لهم، فهم عديمي الطعم، وروائحهم أزكمت الأنوف بالفساد المستشري بينهم، لكن أشكالهم والوانهم المختلفة تدلل على تنوعهم الجكليتي!! الذي لا يختلف كثيراً عن الحامض حلو وهو من فصيلته أيضاً وبلا شك، فمنهم المعمم والملتحي ومنهم “الأفندي” بشارب أو بدونه أو بلحية أو بدونها أو بربطة عنق أو بدونها أو جميعها مجتمعة معاً لتأكيد الإنتماء “الجكليتي” الذي تتطلبه المرحلة الحالية. 
والموقف الأخير للحكومة تجاه الغزو العسكري البري التركي للأراضي العراقية ووصول قطعاته بلمح البصر الى أبواب الموصل المحتلّة من داعش أصلاً وبالتحديد تمركزهم في حدود ناحية “بعشيقة”، يؤكد بما لا يقبل الشك على أنها حكومة حامض حلو.
 فالحامض من وجهة نظر الجانب التركي هو رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي طلب من تركيا سحب قطعاتها فوراً، والحلو هما أثير النجيفي محافظ الموصل السابق ووزير المالية هوشيار زيباري اللذان صرحا للإعلام بان تواجد القوات التركية كان بمعرفة الحكومة المركزية وبإتفاقات مبرمة منذُ زمنٍ طويلٍ.
أما من وجهة نظر الجانب العراقي فان الحامض هو اصرار الجانب التركي على البقاء بناءاً على طلب من بعض الأطراف في العملية السياسية داخل العراق وتصريحاتهم المؤيدة للتواجد التركي، وأما الحلو فهي التصريحات النارية والتهديدات “العبادية” بإعطاء مهلة لا تتجاوز (48) ساعة للأتراك بالإنسحاب أو اللجوء الى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحل المشكلة، وحيثُ إنتهى الإنذار الحكومي دون تنفيذ التهديد، لكنه بدون أدنى شك أعطى طعماً حلواً لرئيس الوزراء وحاشيته على أنهم نفشوا ريشهم لتخويف حكومة أردوغان!!.
والسؤال الذي طعمه بطعم “الحامض حلو” المطروح الآن: هل الأفواج التركية جاءت لتدريب أبناء الحشد الشعبي؟ أم لحماية معسكرهم؟ أم للمشاركة في قتال داعش؟ أم لإخلاء قياديي داعش وقت الضرورة الى داخل تركيا قبل ان يقعوا في قبضة القوّات العراقية عند تحرير الموصل وبهذا سينكشف المستور ويتبين من كان يساعدهم ويمدهم بالأسلحة والأموال؟.