23 نوفمبر، 2024 5:42 ص
Search
Close this search box.

حكومة التكنوقراط حديث الشارع كأنها المنقذ من الفشل والفساد

حكومة التكنوقراط حديث الشارع كأنها المنقذ من الفشل والفساد

يقصد بالتكنوقراط حكومة الكفاءات ، وتهتم بتشخيص ومعالجة الظواهر المعقدة التي لايمكن ان يسيطر عليها رجال السياسة ، وبموجبها يتم إخضاع ادارة الجهاز الاداري الحكومي للعلماء والمختصين في الهندسة والطب والاقتصاد والاجتماع وكل ما يتعلق بشؤون البلاد ، وغالبا ما تكون حكومة التكنوقراط من غير الحزبيين وغير المعنيين بالحوار السياسي ، وتتبع اغلب الدول المتقدمة هذا النمط بل يعده البعض سر تقدمها ، سيما بعد أن نجحت الولايات المتحدة الامريكية في إتباعه بعد سنة 1932 كرد فعل على أزمة الكساد المالي ، كما اتبعتها الصين في أواخر السبعينات والثمانينات من القرن الماضي إذ اعتمدت على التكنوقراط الذين اكتسبوا خبرات الغرب العلمية والعملية في حل مشكلات الصين وإحداث التطور فيها وتشغيل العاطلين ، كما استخدمتها لبنان بعد أن غرقت بالطائفية إذ تم الاعتماد على التكنوقراط في إدارة شؤون البلاد ، ومنذ سنة 2003 ولحد اليوم تتكرر الدعوات الشعبية لتسليم الوزارات لإدارتها من قبل التكنوقراط كلما اشتدت الازمات ، ومنها الدعوة التي وجهها السيد العبادي لتصحيح الأوضاع ومعالجة الأزمة التي يمر بها بلدنا بعد أن انخفضت إيرادات النفط إلى 85% مما كانت عليه قبل انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية ، وقد جاءت هذه الدعوات كرد فعل لمعالجة أسباب ونتائج الفشل الذي تشهده أغلب الأجهزة الإدارية الحكومية وانتشار الفساد الاداري والمالي وغياب الأداء الاقتصادي ، فرغم الموازنات الضخمة والانفاقات الهائلة الا ان المواطن لم يتلمس تطورا ملموسا في مختلف المجالات لدرجة ان البعض راح يقارن الحال اليوم بما كان في الستينات رغم الفارق الكبيرفي التكنولوجيا والتقنيات والرفاهية العالية التي يتمتع بها العالم في الصناعة والتجارة والسياحة والنقل والاتصالات ، والبعض يقول إن المزايا القليلة التي تحققت اليوم تتعلق باستخدام الموبايل والانترنيت والستلايت وهي مستوردة جميعا من الخارج وتكلف اقتصادنا مليارات الدولارات .

إن إسناد الوزارات إلى التكنوقراط يحقق مجموعة من المزايا ، أولها أنهم على علم ودراية ومعرفة وقدرة على التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة لانهم الاقرب الى الواقع والاختصاص ولا يحتاجون للتعلم بالطريقة السائدة احيانا في إداراتنا بطريقة المحاولة والخطأ ، وثانيها أنهم يعملون لحماية سمعتهم المهنية والعلمية وتحقيق الاهداف العليا بمعزل عن أهداف الكتل والأحزاب ، وثالثها إنهم يعملون تحت رقابة الهيئات المختصة بدون أية أغطية أو حاضنات كما انهم يعملون تحت رقابة الكتل السياسية التي جاءت بهم وبذلك يمكن أن يبدوا حرصا أكثر لإثبات الجدارة لكي يحظوا بعوامل الاستمرار من خلال الشعور بالانجاز ، ورابعها إن من جاء بهم لا يسمح بفشلهم لان الفشل سيحسب عليهم لذلك سيتم السعي لاستبدالهم متى ما وجدوا الحاجة لذلك دون التمسك بالخطا من باب حماية المسؤول على غرار ما حصل في الاستجوابات التي شهدتها جلسات مجلس النواب السابقة ، ولكن السؤال الذي يمكن طرحه هل يمكن أن يعمل التكنوقراط في ظل بيئة سياسية يتم التنافس فيها على أسس ليست موضوعية في كل الاحوال ؟ فالتكنوقراط لا يمكن ان يؤدي ويطور ويبدع إلا حين تتوفر لهم بيئة نظمية تتسم بالتكامل والترابط والشمول لان العمل الفردي لايمكن ان يعطي النتائج الايجابية مهما بلغت القدرات والرغبات ، فالتكنوقرط لا يستطيع أن يعمل في فراغ لانه يعمل بفعل قانون الجاذبية الإدارية الذي يؤثر ويتأثر بالأعلى والأدنى ، فلكي يعمل التكنوقراط بشكل متفاعل فيجب ان يكون نظاما فرعيا من أنظمة أخرى ، فالنجاح والفشل مع حكومة تكنوقراط أمر نسبي ويحتاج إلى رأس قوي يقود العراق فضلا عن البيئة التي تحدثنا عنها ، ووجود مجلس نواب يعتمد المحاصصة سوف يعيق عمل أية حكومة تريد أن تغير وتعمل ما لم تتم معالجة عمله وسلطاته بإقرار مرحلة انتقالية يعطل فيها الدستور لحين إجراء التعديلات عليه استنادا لما ورد بنصوصه بهدف التصحيح بما يخدم الأهداف الوطنية وليس الانقلاب على العملية السياسية .

إن النجاح الذي يتحقق في الدول المتقدمة التي تتبع انظمتها حكومات التكنوقراط ليس أساسه أداء الوزير أو الوكيل أو المدير العام وإنما العمل بطريقة فريق العمل بتقاسم الأدوار في المؤسسات التي يقودونها ، وهذه المؤسسات فيها تراكم من الخبرات والمعارف والاختصاصات بشكل يجعلها شبه ثابتة ولا تتأثر بتغير الأنظمة السياسية بالعملية الديمقراطية ، فالوزير يضيف لهم أفكارا وخبرات لتسهيل تحقيق الأهداف المخططة ولكنه لايغير النظام السائد لانه يتسم بالاستقرار رغم ديناميته وقدرته على التغير والتغيير انسجاما مع كم ونوع الوسائل والأهداف التي تتبناها القيادات السياسية ، والوزير بهذا المعنى قد يكون له دورا مهما في اتخاذ القرارات ولكن القرارات تتم صناعتها من قبل المؤسسات التي ترتبط به ، والصلة التي تربط الوزير بالقرارات هي لغة الانجاز والتفاهم والمشاركة في المسؤولية واستخدامه ادوات فاعلة وكفوءة لمتابعة التنفيذ من دون الخوض بكل التفاصيل ، ومن الناحية العملية فانه لا يمكن للتكنوقراط ان يعمل في ظل واقع يتسم بالتناقض واختلال المعايير وغياب العمل المؤسساتي بمعناه الصحيح ، وفي بلدنا تمت إشاعة أعرافا تتعلق باختيار وزير من كتلة وتقابله لجنة في مجلس النواب من كتلة مختلفة كما إن هناك مجموعة من غير ذوي الكفاءة والاختصاص يشغلون المناصب بمختلف المستويات ، وقد أدى ذلك إلى إفشال التجارب المحدودة في تولي التكنوقراط في إدارة بعض الوزارات ، وواقع الحال إن الوزير عندما يكون من جهة معينة فان الوكلاء والمدراء العامون يجب أن يكونوا على أساس التوازن وبذلك تغيب روحية العمل كفريق لتتحول في بعض الأحيان إلى إتباع سياسة الأنداد والخصوم ، وهذه السياسة التي تتقاطع تماما مع عمل التكنوقراط ليست من ولادة المرحلة الحالية وإنما من مخلفات العقود السابقة ، ففي ظل النظام السابق كان يقابل كل وزارة دائرة تخصصية في ديوان الرئاسة والواجب الأساسي لتلك الدوائر هو إصطياد أخطاء الوزراء وتقديم معلومات عن اخطائهم دون انجازاتهم لا من اجل التصحيح وانما للاثبات بان دوائر ديوان الرئاسة هي افهم وأعمق تشخيصا من الوزارات التنفيذية .

إن واحدة من أشد أمنيات اغلب العراقيين أن يكون من يدير البلد هي حكومة تكنوقراط بمعناها الصحيح , والمعنى الصحيح هو ان لايكون حاملا لشهادة في الاختصاص فحسب بل له تجارب وتطبيقات ونجاحات وأفكار مؤجلة يبحث عن الفرص المناسبة لتوظيفها لخدمة الشعب وليس لتكبير كرشه أو رد الفضل لكتلته ، كما إنها تتطلب التفرغ الكامل للعمل الإداري والمهني وعدم التأثر بالخلافات والصراعات السياسية وعدم التشبث في البقاء على أساس علاقته بالآخرين بل على قوة انجازاته وما يحققه من مكاسب للوطن ، مع توفر القدر اللازم من التضحية ونكران الذات والاستعداد بالاعتراف بالخطأ وعدم التمسك بالمنصب ، فمتى ما وجد نفسه عبئا على الموقع يطلب تركه في الحال باعتذار مع الإذعان لكل ما يترتب على ذلك من تبعات ، وفي ضوء ذلك كله يجب أن يتعهد المكلف بتشكيل الوزارة ببلوغ ما يجب تحقيقه في الوضع الحالي ويتطلب ذلك قيام رئيس الوزراء بتقديم الأسس والمعايير في الاختيار ، والغاية من هذا الطرح هو التذكير بان بلدنا يعيش في ظل أزمات حقيقية معروفة الأسباب والتداعيات وهي بحاجة إلى حلول ومعالجات ، وأكثر ما نحتاج اليه هم معالجون حقيقيون للأزمات ومن الممكن أن يكون بمقدمتهم التكنوقراط ممن تتوافر بهم مثل هذه المواصفات ، ولكن الفكرة قد لا يتم قبولها حاليا بسبب ما تجذر خلال السنين السابقة من تقاليد ، فرغم إن حكومة التكنوقراط حديث الشارع العراقي هذه الأيام وكأنها هي المنقذ ، فان حكومة التكنوقراط في ظل برلمان ( محاصصي ) يتحكم فيه رؤساء كتل قد لا يمكن لها أن تنجح إن ركزت المعالجة على الأغصان وترك حقيقة الجذور ، ولغرض تجاوز الازمة والانطلاق نحو واقع افضل سنكون بحاجة إلى تكاتف وإسهام الجميع فهي قضية مصيرية ولا يمكن حلها الا بالاعتماد على الجهود الوطنية لأنها أفضل بكثير من ترك الفرصة لتدخل الغرباء ، ومن المؤكد فان حكومة التكنوقراط ( الحلم ) ستكون الملاذ الذي لابد منه عندما تتهيأ البيئة الملائمة لها ونتمنى مخلصين أن نتعاون جميعا في توفير ما يتطلب لها من ظروف بما يكفل النجاح.

أحدث المقالات

أحدث المقالات