يرى مراقبون ومهتمون بالشأن السياسي ، أن توجه كتل وقوى سياسية عراقية نحو السير بإتجاه إقامة حكومة أغلبية سياسية، قد يسير بالبلد مجددا الى المجهول، بل وستزداد الاوضاع السياسية تأزما، وقد تنقلب الأحوال الى فوضى وفلتان سياسي، لم يشهد له تأريخ العراق الحديث مثيلا.
إن واحدة من المآخذ التي يؤشرها المهتمون بالشأن السياسي على فكرة ( حكومة الأغلبية السياسية ) ان الحكومات العراقية المتعاقبة بنيت اساسا على ما يشبه فكرة ( حكومة الوحدة الوطنية ) أو ( حكومة المشاركة الوطنية ) وما بعدها ( حكومة الشراكة الوطنية ) التي يرها العاملون في الحقل السياسي والتحالف الكردستاني والقائمة العراقية وتيارات سياسية ، على انها الحل الافضل وليس الأمثل في الوقت الحاضر، كونها الوحيدة التي تحفظ للمكونات العراقية بقية هيبتها، وكونها التي تحفظ للجميع المشاركة ضمن الكتل السياسية ، التي لم يتم الانضواء تحت لوائها، ويعدها التحالف الكردستاني الطريق الامثل المستقبلي لحكم البلاد، إذ ان الأكراد يعدون ان العراق لايمكن حكمه بشخص أو حزب أو قائمة سياسية بعينها، ولهذا فأنهم يرون ان حكومة الشراكة الوطنية هي الطريق الذي يحقق لهم بعض طموحاتهم في عراق أكثر استقرارا مما يحلم به ( البعض ) للسير باتجاه مستقبل غامض ، الا وهو طريق ( الاغلبية السياسية ) الذي هو طريق مليء بالأشواك، ومليء بالعقد والمناكفات والسير بالعراق نحو المجهول، وهو ما ينجم عنه فوضى سياسية وفلتان أمني، كما يتوقع المراقبون ، الذين يرون في مثل هذه التوجهات( انهزاما ) من الواقع و( هروبا الى الوراء ) كما يسمونه في المصطلح السياسي ، وهو ما يعني فشل مشروع حكومة الأغلبية السياسية حتى بمجرد التفكير فيها ، وليس تطبيقها ، اذ ان السير بإتجاه حكومة الأغلبية من شأنه ان يعرض العمل السياسي الى إنزلاق طائفي وعرقي خطير، قد يقود الى متاهات غاية في الخطورة ، ويفجر أزمات ليس بمقدور الوضع العراقي على هشاشته الحالية ان يتحملها، ولا يمكن التنبؤ بما تؤول اليه الاوضاع من أحوال.
ويستند هؤلاء المحللون والمتابعون للشأن العراقي في تحليلهم لمجريات الوضع السياسي في العراق، الى ان هناك مايشبه حالة الالتفاف على العملية السياسية ، وإحداث حالة ( انقلاب) تمهد لابعاد رفاق العملية السياسية، ممن اتهموا بأنهم يعرقلون حل الازمة السياسية الحالية، ما استدعى التفكير بإبعادهم هذه المرة ، وقد تكون القائمة العراقية ، أكثر الائتلافات التي تشهد حالة تشطي وانقسام في تأريخها، خططت لهذا التوجه قيادات على مستوى عال في الحكومة، بهدف حرمانها من المشاركة في العملية السياسية، أو على الأقل ابعادها عن مسار الطريق، وجلب أناس مما يسمونه ( مستغلي الفرص ) و ( بائعي الضمير ) ، وهم كثر هذه الايام، ليحلوا محلهم، واعطائهم وعودا بحصولهم على مراكز ومناصب مرموقة، وهم في غالبيتهم،أناس مغمورون، او ممن عليهم شائبة أمام جماهيرهم أو ليس لهم جمهور أصلا، واحداث حالة انشقاق في إئتلاف العراقية والتحالف الكردستاني، رغم ان الاخير صامد ولن يتزحزح عن مواقفه قيد انملة ، ويصعب شق صفوفه، كون وحدته الداخلية ما زالت قوية، حتى وان ظهرت هنات هنا او هناك، الا ان التحالف الكردستاني يبقى هو ألاقوى في تشكيلة القوى السياسية العراقية التي يكون بمقدورها فرض شروطها ، بالطريقة التي تحقق لها اكبر المكاسب، وهي الورقة الأقوى التي ليس بمقدور اي كيان سياسي مهما كبر حجمه او تأثيره ، ان يتغافلها، كونها الأقوى في حجم التأثير ، ولديها قيادة متمرسة في العمل السياسي يصعب زحزحتها عن مواقفها، بخلاف العراقية التي عانت من الانقسام والتفرقة ، تحت تأثيرات طائفية في المقام الاول.
ويرى المراقبون ان محافظات مثل الانبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وحتى كركوك وبابل وبغداد ومحافظات كردستان العراق، ستجد نفسها معزولة هذه المرة، وستجد نفسها مجددا أمام تخندق طائفي مرير ، يعيد بنا العراق الى مربعه الاول، بعد إن تم إقصاء جماعات عراقية طائفية وسياسية وابعادها عن المسرح السياسي ، ثم جرى إستدراج بعض منها للمشاركة في العملية السياسية ، وكان الذي حصل هو الشعور بالعزلة وعدم المشاركة الفعلية، بل وإتخاذ قرارات أقل ما يقال عنها ، انها عودة الى المسار الطائفي ، بألوان ومسميات جديدة، حتى وإن اختلفت الرؤى والتوجهات وطليت بأصباغ ، الا انها تبقى مضامينها واحدة، وهي ان جهة ما تريد التحكم بمقدرات العراق، تحت مساندة من دولة إقليمية ، لفرض الأمر الواقع على العراق، الا ان كل هذه الرهانات ستثبت فشلها، لأن العراقيين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ورؤاهم قد أدركوا حجم وضخامة بل وبشاعة اللعبة السياسية ومخاطرها على أجيال العراق، لهذا لن يقبلوا بأي شكل من الأشكال قبول مبدأ ( حكومة الأغلبية السياسية ) كونها المسمار الذي قد يضع نفسه في نعش العملية السياسية ويودعها الى مثواها الاخير..!!