الخوف على الأرض ومصير الأنسان امر مشروع , هذا اذا كان الخطر عليهما خارجياً ,غزو اجنبي او كوارث طبيعية , هنا على الناس , ان تتحد وتتضامن وتدافع عن وجودها , حالة تتحلى بها جميع شعوب العالم , اما الخوف من الشريك والشقيق والجار ثم التأهب للعدوان عليه والتنكيل به حد ارتكاب المجازر , فتلك جرائم تستوجب تدخل الدولة والمجتمع والقانون وفرض العقاب المناسب على مرتكبيها .
ما يحدث في العراق مثيراً للأسى والقلق على مصير الأرض والأنسان , العراقيون غير معنيون الآن بالأخطار الخارجية التي تهدد وطنهم ومستقبل اجيالهم , بقدر خوفهم من بعضهم , هكذا فصلوا على مقاس تجهيلهم وتضليلهم واستغفالهم ,عبر دسيسة منظمة معقدة اشتركت فيها قوى واطراف دولية واقليمية وسماسرة محليين .
الخوف بين العربي والكوردي , ترك خلفه مجازر وبشاعات مرعبة ــ لازالت سارية المفعول ـــ , والخوف بين التركماني والكوردي , اسس لعداوات واحقاد وثأرات كلفت الكثير من الضحايا الأبرياء , الخوف بين السني العربي والشيعي العربي فرخ المئآت من المقابر الجماعية , ولا زال جمر الفتنة متوعدأ من تحت رماد الهدنة الخادعة , وامتد الخوف في احيان كثيرة الى قلب كيانات الطوائف والقوميات ’ فالخوف بين اربيل والسليمانية , ترك الألاف من الضحايا من داخل القومية الواحدة , ولا زالت اللاثقة تتحكم في نوايا الغرماء , والخوف من داخل الكيان الشيعي ( المذهب الواحد ) , كلف دماء وارواح ابرياء في الجنوب والوسط , ولا زالت روح الكراهية والوقيعة تنسج احداثاً تحت الطلب , ولا يقل الكيان السني حقداً وكراهية وضغائن عبرت عن نفسها في تصفيات واغتيالات دنيئة , الأكثريات الدينية والقومية , تعاملت مع الأقليات بموجات قتل وتفجير وتهجير واجتثاث والغاء .
هل انه قدر العراق وعقاب كوني فرضته عليه خصوصياته الجغرافية والحضارية والأقتصادية والبيئية والثقافية والمعرفية … ؟؟؟؟؟ .
زرت بعض المدن والقرى الكوردية , كانت لغة الناس نبيلة , تعبر عن صدق النوايا , ورغبة المعايشة الأخوية ” العراق بلد الجميع .. وثرواته تكفي الجميع .. نريد السلامة والحياة الكريمة ومستقبل آمن لأجيالنا .. لقد ولى زمن الطغيان البعثي …وعلى المسؤولين الجدد ان يتقوا اللـه بوطنهم واهلهم ” , كما زرت الموصل , ومع ان لهجتي تؤكد جنوبيتي , لكنهم لم يسألوا عن مدينتي ومذهبي وانتمائي , وكانوا كرماء صريحين ودودين معي , يعبرون عن انتماء صادق لوطنهم وامتهم ويرفضون ان يروا العراق ممزقاً , وكوني من الجنوب , انتمي لشرف الموقف الوطني لأهلنا في البصرة عندما رفضوا انانية وتبعية البعض ولم تغريهم ثروات مدنهم ليكونوا سبباً لتمزيق وحدة العراق , حيث لم يحصل دعاة اقلمة البصرة واقتلاع الجنوب عن جذوره الوطنية على اكثر من 08 % , هنا انحاز اهل الجنوب الى بيتهم ( وطنهم ) المشترك مع جميع اشقائهم ’ يقتسموا ثرواتهم مع اهلهم من زاخو حد الفاو .
اذن : من اي المنابع العفنة تسربت تلك المجاري الأسنة للكراهية والأحقاد والتطرف الطائفي القومي , لتفسد نقاء علاقات المحبة والأخاء والتعايش السلمي الجميل بجغرافيته وثرواته وحضاراته وبيئته ومكوناته التاريخية التي لايمكن للعراق ان يكون عراقاً ان لم تكن آمنـة فيـه … ؟؟؟؟ .انهم حصراً ويقيناً من بين اغلب اطراف حكومة الشراكة الوطنية التي تشكلت من احزاب شيعة السلطة وسنة السلطة وكورد السلطة , هذا الرهط الذي قبل المهمة بشروط الأحتلال , وذهب بهم الغرور وانتفاخ ( الأنا ) , الى تناسي دورهم كمواطنين اسوياء , ليخدعوا انفسهم , على انهم امتلكوا العراق وعليهم تقاسمه , وقد دفعت بهم سذاجتهم وانانيتهم , كما دفعت بمن سبقوهم الى الوهم , على ان الذي اوكل لهم تلك المهمة المعيبة , سيحتفظ بهم الى ما لا نهاية , وهو الذي يمتلك فائض من السفلة , انهم يتحملون الآن مسؤولية الدمار الذي سببوه للعراق , ودم وارواح الشهداء وملايين الأرامل والأيتام والمعوقين والمهجرين والمهاجرين , ومسؤولية ضعف الدولة وتفكك المجتمع وضياع الثروات الوطنية على امتداد التسعة سنوات الأخيرة , وسيحاسبهم الرأي العام قبل التاريخ .
العمل : هو الجواب الأنجع لسؤال ( مالعمل … ؟؟؟ ) .
الذي ينتظر من اطراف حكومة الشراكة ( الوطنية !!! ) ,مخرجاً او فرجاً وهي المتخمة بفضائح الفساد وبعضها مرتبط بعلاقات مشبوهة مع الأرهاب , واهم او مشارك في لعبة انهاك الدولة والمجتمع وتغييب دورهما .
الأصلاح والتغيير : يجب وبالضرورة ان يحصل من خارج تلك الحكومة , والتعويل هنا لا يمكن له ان يكون بعيداً عن دور الرأي العام العراقي ـــ نظيف الثوب من قذارات شراذم الردة ـــ ومع انه مخترقاً ومغيباً نسبياً , لكنه يعيش الآن تجربته المريرة معها ويعيد صياغة مواقفه منها , ولا شك ان اطراف حكومة الشراكة, تستحوذ الآن على السلطة والثروات والأعلام واجهزة قمعية متعددة الوظائف والمهام , لكنها وفي جميع الحالات , فقدت نفوذها وتأثيرها على وعي وارادة وحراك الشارع العراقي, وهذا هو الأهم بالنسبة للذي يريد تغيير المعادلة لصالح الناس والوطن .
حصيلة التجربة : ان احزاب الأسلام السياسي واحزاب الأيديولوجيات القومية , قد افلست الى حد بعيد , واستنفذت مرحلتها والكثير من ادوارها وضرورتها , واذا ما استثنينا حجم نفوذها المادي والدعم الأقليمي لبعض اطرافها وتأثير لعبة الموازنات الدولية لصالحها , فأنها فقدت تاريخها وشرعيتها المعنوية والأخلاقية والأجتماعية والسياسية , وقد تلجأ الى قسوة الأساليب التأديبية , وتزوير ارادة الناس دفاعاً عن شرعية بقائها , فالتطورات والتغيرات الأيجابية على وعي الحركة الجماهيرية وتقاليدها التنظيمية والنضالية , سيحسم الأمر ويسد منافذ الأستمرارية بوجه تلك الأطراف المتسلطة فساداً وارهاباً وتبعية , وقبل ان يدركوا ويستوعبوا منطق الأحداث وقوانين المتغيرات , ويحتكموا الى العقل والتجربة , سيدفع بهم عنادهم الغبي الى ذات المصائر البائسة التي انتهى اليها السابقون .
نحن على قناعة , راسخة , ان الحركة الجماهيرية العراقية الواسعة , ستستبدل قديمها وتترك خلفها رموز ايديولوجيات الهزائم والأنتكاسات .
ان الذي ينظر , متبصراً متعضاً بالتقاليد الثورية للمجتمع العراقي على امتداد تاريخه , لابد ان يفسر ويدرك ما وراء الصمت العراقي الراهن , انه بركان اجتماعي مؤجل سوف لن يطول صمته , الأغبياء وضحايا الوهم , وحدهم يخطأوا الحساب , فالولادة يسبقها الضغط , الذي اصبح الآن لا يطاق .