عندما تحصل انتخابات في الدول التي تتبنى النظام الرئاسي فأن الفائز فيها يتولى الرئاسة ويؤلف الحكومة من حزبه ولا يضطر الى تشكيل حكومة ائتلافية مع أحزاب أخرى، لكن المشكلة تظهر في الدول التي تتبنى النظام البرلماني، فعندما لا يفوز حزب واحد بأغلبية مقاعد البرلمان يُجبر الحزب الحائز على أكثرية المقاعد النيابية الى التحالف مع أحزاب أخرى لتشكيل حكومة تحصل على ثقة البرلمان بالنصف + واحد بالحد الأدنى، وبالتالي يتم تقاسم المناصب الرئيسية بين الأحزاب المشاركة حسب حجمها البرلماني بأعتبارها تمثل ناخبيها الذين صوتوا لها لقناعتهم ببرامجها الانتخابية.
وتسمى هذه الحكومة في كل الدول البرلمانية باسم (الحكومة الأئتلافية) ما عدا في العراق فأنها تُسمى (حكومة المحاصصة)!
ان الدستور العراقي قد حدد النظام السياسي للبلد وهو النظام البرلماني، وبالغالب ينتج عن هذا النظام حكومات أئتلافية، وخاصة في بلدنا المتعدد المكونات، ومع أن أغلبية الشعب قد صوتت لصالح الدستور إلا انها الآن ترفض النظام البرلماني الذي نصَّ عليه الدستور، مثلما انها وافقت على الفدرالية في الدستور وترفضها الآن!
أعتقد السبب في أننا نرفض أو نتحفظ على اغلب فقرات الدستور لكونه كُتب على عجل ومن قبِل سياسيين غير متخصصين، وتحت ضغوط خارجية وداخلية، الأمر الذي أنتج دستوراً يحتوي على العديد من الثغرات التي بانت عند التطبيق، بينما يُكتب الدستور عادةً من قبِل لجنة متخصصة وفي فترات هدوء واستقرار ويخضع للنقاش الجماهيري لغرض انضاجه، وبعدها يٌعرض للاستفتاء الشعبي.
ولهذا فأن الشعوب تعاملت بشكل طبيعي مع حكوماتها الأئتلافية لكونها وليدة دستور محكم قد وافقت عليه بقناعة ودون ضغوط أو تأثيرات، بل ان بعض الدول تكون الحكومات الأئتلافية هي القاعدة فيها وحكومة الحزب الواحد هي الاستثناء، وسأذكر لكم، أيها السيدات والسادة، بعض الأمثلة:
عندما كان حزب المؤتمر الوطني الهندي يحصل على الأغلبية بالانتخابات كان يشكل الحكومة بمفرده وخاصة برئاسة انديرا غاندي (Indira Gandhi)، ولكنه خسر أغلبيته في انتخابات عام (1999) كما لم يستطع أي حزب ان يحصل على اغلبية مقاعد البرلمان، فتحالف عندها (24) حزباً لتأليف حكومة أئتلافية برئاسة (Atal Vajpayee) وتم تقسيم المناصب المهمة بين هذه الأحزاب ولم يقل مواطن هندي انها حكومة محاصصة أو يكتب منشوراً في (Social media) عن (المحاصصة المقيتة)!
اما في إيطاليا فالحكومات الأئتلافية هي السائدة فقد شكّل (Amintore Fanfani) (5) حكومات أئتلافية، و(Giulio Andreotti) (3) حكومات أئتلافية، وفي المانيا شكّل المستشار (Helmut Kohl) (5) حكومات أئتلافية للفترة من (1998-1982)، اما المستشارة (Angela Merkel) فقد كانت على رأس (4) حكومات أئتلافية منذ عام (2005) ولحد الآن، كما تم تشكيل حكومة أئتلافية في تايلند بعد انتخابات (1999) مكونة من (7) أحزاب، ومع ذلك لم يتم وصفها بأنها حكومات محاصصة وتقاسم مغانم، رغم ان الذي حدث فعلاً هو تقاسم الوزارات في هذه الحكومات من قبل الأحزاب المشاركة فيها.
ربما يرد بعض الناس بأن ما يحدث في العراق هو إساءة استخدام السلطة عن طريق (المحاصصة) ولمصلحة الأحزاب المشاركة في الحكومة وليس لفائدة الشعب.
أقول: ان هذا الرأي، على وجاهته، خارج عن موضوع هذا المقال، فهنا الحديث عن المفهوم وليس المصداق، ثم لا ننسى ان الشعب هو مَن انتخبهم ثم بعد الانتخابات يذمهم!